■ ما هي برأيك دلالات العمليات الأخيرة في سيناء؟الجماعات التكفيرية تسعى إلى الانتقام من الجيش المصري بعد حكم «الإخوان»، حيث تحطّم أمامها حلم الخلافة الإسلامية، وإمكانية بناء دولة إسلامية على أرض مصر.

وكشفت العمليات الأخيرة أن هناك فجوة معرفية كبيرة فى منطقة سيناء لمصلحة الإرهابيين، أدت إلى إخفاق الجيش حتى اليوم في القضاء عليهم. هناك حاجة لوجود استراتيجية لمواجهة تلك الأعمال الإجرامية. وإن ما يتردد عن إخلاء سيناء من أهلها لمواجهة الإرهاب، غير مقبول، فالمطلوب اليوم نسج علاقات طيبة مع شيوخ القبائل، لأن الحل الأمني لن يكون ناجعاً بمفرده لمواجهة أناس مدربين ويمتلكون السلاح الحديث، وتساندهم الطبيعة الجغرافية لشبه جزيرة سيناء.
نحن نحتاج إلى خطة متكاملة لتتعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة، يتضافر فيها الاقتصادي مع السياسي والثقافي، بدلاً من اعتماد الحلّ الأمني فقط الذي لن يؤدي إلا إلى مزيد من العمليات الإرهابية.

■ ما علاقة «الإخوان» بالتنظيمات المتشددة الفاعلة في سيناء، فيما يذهب البعض إلى القول إن لها تعاوناً مع تنظيم «القاعدة»، خصوصاً في ليبيا؟
تاريخياً، كانت جماعة «الإخوان» أول جماعة سلكت طريق العنف، بتأسيسها للنظام الخاص عام 1940 الذي لم تظهر حقيقته إلا عام 1948، عند القبض على سيارة الجيب الشهيرة التي كشفت القضية. وتوالت أحداث العنف والاغتيالات بعد ذلك، لكن الجماعة أيقنت أن هذا المسار مُغلق في عام 1966، بالتزامن مع آخر الإعدامات التي طاولت سيد قطب ومن معه. لكن مجموعات أخرى بدأت تنشط منذ عقد السبعينيات مع حادثة «الفنية العسكرية»، ثم اغتيال الشيخ الذهبي، ثم الرئيس أنور السادات، وبعدها الموجة التي ضربت مصر في الثمانينيات والتسعينيات على يد جماعة «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية». لكن حتى غالبية قيادات هذه الجماعات قدمت مراجعات حقيقية (بنبذ العنف) منذ عام 1995، أما القيادات الأخرى فلجأت إلى الاتصال بزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، التي تنشط الآن سواء في سيناء أو في الوادي. والقوة الأكبر الموجودة منها اليوم «أنصار بيت المقدس»، وهي نتاج تزاوج بين مئة عنصر من عناصر ألوية الناصر صلاح الدين، وهو تنظيم فلسطيني في غزة، مع «التوحيد والجهاد» في سيناء. وخرج منه أيضاً خلية أخرى أكثر تدريباً هي «كتائب الفرقان»، وهي الأخطر. وفي هذا التوقيت قامت السلطات المصرية بضرب تجارة الأنفاق وتجارة السلاح (بين سيناء وغزة)، فخرج «حلف مقدس» بين تجار الأنفاق وتجار السلاح والمجموعات التكفيرية، وهؤلاء يسعون إلى إنهاك الدولة المصرية، حتى تعود تجارتهم لسيرتها الأولى. وهذا يصبّ في السيناريو نفسه الذي تعمل عليه جماعة «الإخوان»، وهو إنهاك الدولة. نقف اليوم أمام حالة تقاطع مصالح، وجهات التحقيق والقضاء هي التي تقول إن كان هذا يحدث بتنسيق أو بتعاطف بين تلك المجموعات وجماعة «الإخوان»، أو لا. غير أنّ من المؤكد أنّ ظهور «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح»، بعد «ثورة يناير» عمقت العلاقات بين الأجنحة المعتدلة والمتشددة داخل التيار الإسلامي، حيث ظهرت كلاعب سياسي في ساحة الحركات الإسلامية.

■ وماذا عن حقيقة الانقسام بين الإصلاحيين والمتشددين داخل جماعة «الإخوان»؟
نستطيع القول إنه طوال الوقت، كان هناك قسم للتسويق والترويج للجماعة لمدّ خطوط الاتصال بقوى المجتمع المدني، لكنّ هذا القسم لم يكن له ثقل حقيقي داخل الجماعة. وعلى سبيل المثال، إن لجنة التربية في الجماعة لم يدخلها إصلاحي قَطّ. ويمكن القول، إن الجماعة فيها فقه مكتوب متزمّت ومحافظ، وفقه شفهي، يُلجأ إليه للتعامل مع القوى السياسية والمدنية.
وبالتالي، ما شهدناه في تجربة الجماعة مع حزب «الحرية والعدالة»، أنه كان مجرد واجهة للجماعة، ولم يُفصَل بين الجهة الدعوية والكيان السياسي.
وللأسف الشديد، كان رئيس حزب «مصر القوية» عبد المنعم أبو الفتوح، يستطيع لو انفصل عن الجماعة في بواكير «ثورة يناير» عندما بدأت في إبرام الصفقات مع المجلس العسكري، أن يخرج بكتلة ذات شأن، ولكنه تأخر، لأسباب عاطفية، فضاعت الفرصة. كذلك، يمكن القول إن المجموعة ذات السلوك الصفري هي التي سيطرت وما زالت تسيطر على الجماعة حتى اليوم. غير أن «إخوان مصر» لم يستفيدوا من التجربة التركية أو المغربية، فقدموا النموذج الأكثر بؤساً.
أما اليوم، فإن القيادة الموجودة في السجن ما زالت ممسكة بقيادة التنظيم، ولا يوجد حالياً إصلاحيون يستطيعون إعادة رسم خط فكري جديد، ولكن التنظيم يمتلئ بالغاضبين. ولكنني أطالب الإصلاحيين داخل الجماعة ـ إن وجدوا ـ بالانفصال عن القطبيين (المنتمون إلى فكر المرشد الأعلى الأسبق للجماعة سيّد قطب)، نظراً إلى أن هؤلاء القطبيين الذين يسيطرون على الجماعة منذ السبعينيات، يعيشون في حالة انفصال تام عن الواقع نتيجة العزلة الوجدانية التى يعيشونها. إن سيطرة تيار القطبيين داخل الجماعة، هي ما ضيعها، فإن مكتب إرشاد الجماعة بدأ منذ انتخاباته الداخلية عام 2009 بإقصاء القيادات الإخوانية الإصلاحية.

■ ما المآخذ على القيادات «القطبية» التي أشرت إلى سيطرتها على التنظيم؟
القيادة القطبية تؤيد الوصول إلى الحكم بأي طريقة. لكنها تعتقد أن هذا المجتمع كافر، أو على الأقل جاهليّ. يرجع تاريخ المجموعة القطبية إلى عام 1965. وحين دخلوا السجون في ذلك الوقت أطلق عليهم «مجموعة تنظيم العشرات» لأنه حكم عليهم بالسجن لعشر سنوات. وخرجوا منها عام 1975. هذه المجموعة هي التي سيطرت على مفاصل المكاتب الإدارية للتنظيم في مصر، وهي التي سيطرت على أهم لجنة داخل الجماعة: «لجنة التربية»، لكي تصوغ العقل الجمعي لدى أعضاء الجماعة، استناداً إلى أفكار سيد قطب.
والأخير لديه فكرة مركزية تدور بين «الحاكمية»، وهي أنه «لا حاكمية إلا لله»، و«الجاهلية» وهي أن «هذا المجتمع ابتعد عن الإسلام». مطلوب طليعة (من الإخوان) لتجسيد الإسلام، حتى يقتدي بها المجتمع. لذا، إن فكرة التنظيم الحركي، وبدلاً من أن تنساب داخل المجتمع، تحوّلت بهم إلى فصيل أو طائفة دينية منعزلة تناصب المجتمع العداء، منذ عام 1965 حتى الآن.

■ لكن الجماعة، مع ذلك، خرجت سياسياً إلى العلن في السبعينيات؟
هذه المجموعة لجأت منذ ذلك الوقت إلى بعض الأمور الإصلاحية لتسويق صورة ذهنية إيجابية للجماعة، خصوصاً منذ ولاية (مرشد الإخوان الأسبق) عمر التلمساني عام 1973، وظهور المجموعة السياسية من «الإخوان»، خصوصاً في الجامعات، في عقد السبعينيات، مثل عصام العريان وأبو الفتوح وحلمي الجزار وحامد الدفراوي، وغيرهم من القيادات الطلابية في ذلك الوقت. ووضعت الجماعة على قضبان العملية السياسية، لكن مع وفاة التلمساني عام 1986 تعرّضت هذه المجموعة لضربة قاصمة وجرى تنحيتها شيئاً فشيئاً حتى خرجت عن إطار توجيه التنظيم وكانت بعيدة عن تكوين العقل الإخواني.

■ «التحالف الوطني لدعم الشرعية».. المؤيد لـ«الإخوان» رفع هذا الأسبوع شعار «أسقطوا النظام»...كيف ترى هذا الشعار في هذا التوقيت؟
للمفارقة.. إن الإخوان كانوا سياسيين عندما كان من المفترض أن يكونوا ثوريين، واليوم يدعون إلى الثورية، فيما معطيات الواقع تتطلب العمل السياسي التراكمي. أما رفع شعار «إسقاط النظام» فيعبّر عن انفصال تام عن معطيات الواقع، فالمزاج الشعبي ليس ميالاً إلى الثورات. الشعب المصري منهك ومحبط. كذلك، لا ننسى أن «ثورة يناير» جاءت قبل هبوب عاصفة التنوير على مصر، وفي ظلّ معدلات أمية مرتفعة، ووعي منخفض. الفرق بيننا وبين تونس ليس فقط في اختلاف تعاطي حركة «النهضة» مع التطورات السياسية، ومنحها الأولوية لبناء الدولة الحديثة، بينما فضل إخوان مصر مصلحة التنظيم، ولكن يكمن أيضاً في أن تونس تتمتع بمجتمع مدني فاعل ومؤثر.

■ هل تمنح توجهات النظام واتباعه لسياسات بوليسية ومعاداته للشباب والعمال، الإسلاميين قبلة الحياة؟
نعم. النظام الحالي بإصراره على تكرار أخطاء سابقيه يمنح الإسلاميين فرصة للعودة، ولا أستبعد أن تشهد مصر موجة ثورية جديدة.
المشهد الحالي يصبّ في اتجاه مصالح وطموحات «الإخوان» لمزاحمة الحالمين بـ«وطن جديد». هذا المشهد سيكون ناتجاً من السياسات «الغبية» التي دفعت رموز الماضي إلى صدارة المشهد المصري من جديد، وهو ما سيجعل النار تحت الرماد قابلة للاشتعال في أي لحظة. والشباب المصري، صمته وعدم مشاركته بفاعلية في العملية السياسية، ليس خنوعاً بل هو قابل للانفجار في أي لحظة. وأرى أن «وصفة» الخروج من الأزمة الراهنة تتطلب التوقف عن العدوان على حريات الشعب وحقوقه، والمضيّ قدماً في فتح ملفي الحوار الوطني والعدالة الانتقالية، وهما من ضمن بنود خريطة الطريق، التي يستمد النظام شرعيته منها.
وبموازاة ذلك، لا بد من البدء فوراً في تشكيل مجلس حكماء يعيد تقويم المشهد السياسي. إن مصر لن تشهد نهوضاً دونما الوصول إلى حالة إجماع وطني، تمنح الدولة إمكانية تجاوز دائرة ردّ الفعل إلى أخذ زمام المبادرة.