تقترب تركيا على ما يبدو من تحقيق أهدافها بعد الاستثمار طويلاً في عملية حصار مدينة عين العرب (كوباني) في شمال سوريا، عبر المماطلة في تقديم الدعم للقوى المدافعة عنها ومن خلال عدم فتح حدودها الجنوبية أمام قوى «البيشمركة» الوافدة من إقليم كردستان في العراق. ويوم أمس، بدا أن أنقرة أوقفت مناوراتها في هذا الخصوص، إذ أعلن الزعيم الكردي، صالح مسلم، أن مقاتلين من قوات «البيشمركة» عبروا الى تركيا من العراق متوجهين إلى عين العرب للمساعدة في الدفاع عنها ضد هجمات تنظيم «الدولة الاسلامية».

وقال مسلم، وهو الرئيس المشارك لحزب «الاتحاد الديموقراطي» (PYD)، لوكالة «رويترز»، إن حوالى 150 من مقاتلي «البيشمركة» عبروا الى تركيا، فيما كان من المتوقع مبدئياً أن يصلوا في أي وقت إلى «كوباني».
ولم يأت التنفيذ المفترض لقرار مشاركة «البيشمركة» في القتال، الذي رعت واشنطن التوصل إليه قبل أيام، تلقائياً، إذ سبقته سلسلة طويلة من المناورات التركية. كذلك، فإن تلك التطورات ترافقت مع صعود الحديث عن دور تطالب به أنقرة لـ«الجيش السوري الحر». وقد أعلن يوم أمس وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أنه «جرى التفاهم بين الجيش السوري الحر وحزب الاتحاد الديموقراطي حول العبور إلى (كوباني)». وقال الوزير التركي، معلقاً على مرور «البيشمركة»، «ليست هناك مشكلة حالياً من الناحية السياسية في عبورهم، ويمكن أن يتحقق ذلك في أي لحظة».
الرؤية التركية ذات البعد الأوسع بخصوص أي تعاون بشأن «كوباني»، تحدث عنها رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو. فقد أكد، في مقابلة أجراها مع هيئة الإذاعة البريطانية، «ضرورة» القيام بعمل عسكري لاسترداد عين العرب، مبدياً شعوره بـ«الاستغراب» حيال الانتقادات التي توجه لبلاده بهذا الشأن. وأضاف «إذا كانوا هم (الأميركيون والأوروبيون) لا يرغبون في إرسال قوات برية إلى المنطقة، فكيف ينتظرون من تركيا أن تأخذ على عاتقها تلك المخاطر، وأن تقوم بإرسال قواتها البرية؟».
منسّق «التحالف»: النية تكمن في النتيجة السياسية في سوريا

ورأى داود أوغلو في حديثه أن «الوضع في سوريا بحاجة إلى استراتيجية شاملة»، مضيفاً أن «تركيا لا تريد أن ترى ثلاث مجموعات على حدودها، فالنظام السوري، ومنظمة بي كا كا (حزب العمال الكردستاني) الإرهابية، وداعش جميعهم أعداء لتركيا»، مهاجماً في الوقت ذاته «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي تدافع قوات تابعة له عن «كوباني». وأشار إلى أن ذلك الحزب «تعاون مع النظام السوري طيلة السنوات الثلاث الماضية... لذا فإن تقديم أي مساعدات لهذا الحزب يجب أن تكون مدروسة، خصوصاً أنه يشترط عدم وصول أعداد كبيرة من قوات البيشمركة إلى مناطقه ولا يريد أن يقوم بأي تعاون مع الجيش السوري الحر».
وتابع رئيس الوزراء التركي قائلاً «لا شك في أن كوباني تمتلك أهمية في الحرب الدائرة في سوريا بوقوفها أمام إرهاب داعش، لكن علينا ألا ننسى أيضاً أنها إحدى إفرازات الأزمة السورية الأوسع والأشمل». ورداً على سؤال بشأن دخول عناصر «البيشمركة» إلى مدينة عين العرب عبر تركيا وحول أهمية تلك العملية في تغيير مسار الحرب، رأى أن «دخول قوات البيشمركة... لن يكون كافياً، إلا أنه مهم من ناحية إظهار الدعم للمدينة».
وفي كلمة قد يكون لها خلال الأيام المقبلة ارتدادات سياسية على خط العلاقة المتوترة بين أنقرة وواشنطن، أشار داود أوغلو إلى أن بلاده كانت «موافقة منذ البداية» على عبور «قوات من البيشمركة والجيش السوري الحر» إلى عين العرب، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن تركيا لن «تعترض» على وصول قوات أميركية أو غربية إلى المنطقة في حال أبدت الدول الغربية رغبتها في إرسال قواتها.
وإلى جانب تطور المشهد العام بخصوص مدينة عين العرب، فإن اللافت إقليمياً يكمن في ارتفاع حدة التصريحات المتبادلة بين القوتين الإقليميتين: إيران وتركيا. ونقلت يوم أمس الوكالة الإيرانية «إرنا» عن «مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الإيرانية» قوله إن «التدخل التركي في الشأن السوري أدى وللأسف إلى إطالة أمد الحرب وسبب في خسائر وأضرار كثيرة، وأدى الى المزيد من التشريد في سوريا». وأوضح المسؤول أنه «لو لم تكن العقبات والعراقيل التي وضعتها الحكومة التركية بسبب طموحاتها ولم يكن هناك إصرار منها على تغيير نظام الحكم في سوريا وتقديم الدعم للإرهابيين، لكان بالإمكان تسوية الازمة السورية قبل ثلاث سنوات». وأضاف «هذه الحقيقة باتت جلية للجميع برغم الدعايات التركية، ولم يعد أحد يقبل ما يقال بشأن الأزمة السورية». ورغم تصاعد حدة الكلام الإيراني حيال تركيا، استدرك المصدر قائلاً إن «العلاقات الجيدة مع تركيا تحظى بأهمية بالغة لإيران وإن علاقات البلدين ماضية نحو التنامي في مختلف المجالات، ونأمل عدم تكرار هذه التصريحات (تصريحات أردوغان الأخيرة) للحيلولة دون المساس بمسار العلاقات الايجابية».
ووفقاً للوكالة الإيرانية، فإن حديث «المسؤول الرفيع» جاء «في معرض ردّه على التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان». وكانت وسائل الاعلام التركية قد نقلت، أول من أمس، عن أردوغان اتهامه لإيران باستغلال «الانقسامات الطائفية السورية». ونقلت صحيفة «حرييت» عنه قوله «عندما نعقد اجتماعات ثنائية مع إيران يوافقون على حل هذه المسألة معاً. وعندما يحين وقت التنفيذ فإن لهم للأسف طريقتهم الخاصة في العمل».
عموماً، وبعيداً عن ارتفاع حدة المواجهات الكلامية بين أنقرة وطهران، فإن الإصرار التركي على الربط بين دخول «البيشمركة» إلى عين العرب وإعطاء دور لـ«الجيش السوري الحر» هناك، يعكس على نحو أكيد بداية «اغتنام» أنقرة لحصص ولأدوار ضمن عمليات «التحالف الدولي»، وذلك بعد أسابيع على عدم الانسجام مع الرؤى الأميركية.
وتبعاً للرؤى الأميركية، فمن المفترض أن يكسب «الجيش السوري الحر» دوراً سياسياً في المرحلة المقبلة ضمن المشهد السوري، الأمر الذي تحدث عنه في نهاية الأسبوع الماضي منسق «التحالف الدولي» الجنرال الأميركي، جون آلن، خلال جولته الخليجية. ففي حوار أجرته معه إحدى الصحف السعودية، أجاب آلن على سؤال عمّا إذا كانت عناصر «الجيش السوري الحر» ستقاتل قوات الحكومة السورية في النهاية، بالقول «لا. ما نودّ أن نراه أن يصبح الجيش السوري الحر والقوة التي سنشكلها وندربها ونجهزها في النهاية هي القوة ذات المصداقية التي سيتعين على حكومة (الرئيس بشار) الأسد أن تعترف بها وتقرها في نهاية المطاف».
وتابع في معرض حديثه أن «النية ليست تشكيل قوة ميدانية لتحرير دمشق. ليست هذه النية». وأضاف أن «النية تكمن في النتيجة السياسية. يجب أن يكونوا صوتاً واضحاً - بل والصوت الأعلى - على الطاولة للمشاركة في النهاية في النتيجة السياسية التي نسعى إليها». وبرغم ما يحمله كلام المسؤول الأميركي من إشارات واضحة بما يخص الحلول التي تسعى إليها واشنطن في الشأن السوري، فإن آلن استدرك بالقول إن «النتيجة التي نسعى إليها في سوريا قريبة من الاستراتيجية (المناهضة للدولة الإسلامية) التي تناسب استراتيجية إقليمية أكبر بكثير، وهي نتيجة سياسية لا تشمل (الرئيس بشار) الأسد».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)





أمير قطر يواجه في بريطانيا أسئلة بشأن تمويل متشددين

من المتوقع أن يرفض أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، مزاعم بأن بلاده تموّل مقاتلي «الدولة الاسلامية»، أثناء زيارة دولة لبريطانيا بدأت يوم أمس وتستمر ثلاثة أيام. وهذه أول زيارة رسمية يقوم بها الشيخ تميم إلى بريطانيا منذ أن أصبح أميراً لقطر عام 2013، وستشمل إجراء محادثات مع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، كما سيجتمع مع الملكة اليزابيث.
وركزت تقارير وسائل إعلام بريطانية، نشرت في الفترة التي سبقت الزيارة، على مزاعم سابقة من دول عربية مجاورة في منطقة الخليج أن قطر تستخدم ثروتها الهائلة من النفط والغاز في دعم الاسلاميين في أرجاء منطقة الشرق الأوسط. وقد دعا أعضاء في البرلمان البريطاني رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لإثارة القضية عندما يجتمع مع تميم اليوم، فيما قال المتحدث الرسمي باسم كاميرون إن التعامل مع التطرف سيكون على الأرجح ضمن جدول أعمال المباحثات.
(رويترز)