القدس المحتلة | يعاني المقدسيون في تعاملاتهم مع الاحتلال من عنصرية كبيرة تعمل على تعطيل الكثير من الإجراءات التي يحتاجون إليها من أجل بقائهم في مدينة القدس، التي يرجى لها أن تبقى العاصمة المقدسة لدولتهم.ووصلت الحال بالعنصرية الإسرائيلية إلى أن تحرم مريضاً أو مصاباً، في حال يومية، من الوصول إلى المستشفى.

كل ذلك تحت حماية القانون، فالاحتلال أصدر عام 2012 قانوناً يجبر سيارة الإسعاف «الإسرائيلية» على طلب مرافقة شرطية عند دخول المناطق العربية خاصة في وقت الليل، لكنه يشمل مناطق قرى القدس (سلوان والثوري ورأس العمود ومخيم شعفاط والعيساوية) في كل الأوقات. جراء ذلك كله، يفارق المريض المقدسيّ الحياة بانتظار الإسعاف ومرافقيه.
«فارقت أمي الحياة عندما كنت أحملها على كرسي بلاستيكي لأوصلها إلى مشارف قريتي (سلوان) التي رفضت سيارة الإسعاف دخولها دون مرافقة شرطية». بعينين دامعتين، يترحّم المواطن أحمد صلاح على والدته، سميرة، التي فارقت الحياة بانتظار وصول سيارة الإسعاف.
فاجأه اتصالها وهو في عمله، طالبة منه أن يتصل بسيارة إسعاف تنقلها إلى المستشفى. اتصل برقم الإسعاف وطلب سيارة من "نجمة داود الحمراء" لنقل والدته إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية، فأبلغه الموظف أنّ السيارة خرجت متّجهة إلى منزل والدته في حي وادي حلوة (سلوان) جنوب المسجد الأقصى. وصل أحمد إلى بيته بعد 15 دقيقة من اتصاله بالإسعاف، ولم تكن السيارة قد وصلت بعد.
"انتظرت أنا وأختي، التي سبقتنني عند والدتي وصول سيارة الإسعاف 45 دقيقة من بعد وصولي إلى البيت، لكنها لم تصل، وبعد اتصالاتي المتكررة، قدم إلينا شاب يحمل شنطة إسعافات أولية يريد مساعدة والدتي ريثما تصل سيارة الشرطة التي سترافق الإسعاف"، يروي صلاح.
ويكمل: "أخبرني المسعف أنه يجب نقلها إلى المستشفى حالاً، فاقترح عليّ حملها إلى سيارته التي أوقفها عند باب البيت لينقلها هو، بدوره، إلى سيارة الإسعاف التي تنتظر على مشارف القرية"، ويسرد أنهم حملوها على مقعد بلاستيكي من البيت إلى السيارة، "لكن قبل وصولنا، فقدت أمّي الوعي، فركضت بها إلى سيارته، وعملت على تمديدها في المقعد الخلفي، وبأقصى سرعة طلبت منه أن يتوجه إلى الإسعاف".
ويواصل: "ما إن وصلنا إلى سيارة الإسعاف، رأيتها تتحرّك متجاهلة وصولنا. طلبت من المسعف، الذي كان يطلب منهم التوقف عبر اللاسلكي، واللحاق بهم، وتوسلت من هم في الشارع أن يوقفوا سائق الإسعاف... بمساعدة الشبان نقلنا أمي إلى السيارة ليتوجهوا بها إلى المستشفى، لكننا لم نصل إليه، وذلك لأنهم أعلنوا وفاتها في الإسعاف".
في حادثة مماثلة، أصيب الطفل محمد سنقرط برصاصة مطاطية في رأسه ليسقط أرضاً، فطلب أحد شهود العيان سيارة إسعاف من "نجمة داود". حضرت السيارة إلى حي واد الجوز، لكنّها بقيت بعيدة عن محمد، ولم تتحرك خطوة واحدة اتجاهه بحجّة أنها تنتظر المرافقة الشرطية، لكن سرعان ما سبقتها إلى هناك سيارة الهلال الأحمر الفلسطيني التي أسعفته ونقلته إلى مستشفى المقاصد.
يقول عمّ الشهيد، واسمع مهتدي إن، "الشهيد الطفل كان في حالة خطيرة، فطلب مستشفى المقاصد تحويله إلى مستشفى هداسا عين كارم لتلقي العلاج، لكنه استشهد بعد 7 أيام قضاها في غيبوبة".
وفي حديث مع مدير الإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر، أمين أبو غزالة، فإنه أفاد لـ"الأخبار" بأن سيارات الإسعاف الإسرائيلية تطلب المساعدة منهم إذا لم تتوافر لها مرافقة من شرطة الاحتلال، "وذلك بعد نصف ساعة من تلقيها طلب النجدة، ما يؤدي إلى تدهور الحالة المرجو إسعافها".
ويعيد أبو غزالة سبب استنكاف المواطن الفلسطيني عن طلب الإسعاف من الهلال الأحمر إلى التكلفة الماليّة التي تصل إلى 100 دولار، "فيما أجرة سيارة الإسعاف الإسرائيلية تكون مدفوعة من التأمين الصحي الذي يشملهم"، لكن مواطنين قالوا إن الإسعاف الفلسطيني يصعب عليه الوصول إلى مناطقهم بسبب تضييقات الجيش الإسرائيلي وحواجزه.
هذا كله يجعل الحوادث المأسويّة تتكرّر باستمرار، ومنها حادثة الطفل (ر. ن) ذي العامين، الذي سقط عن علو تسبب في شعر في جمجمته، وارتجاج في الدماغ، فامتنعت الإسعاف عن الدخول إلى مخيم شعفاط، شماليّ القدس المحتلة، إلا بمرافقة الشرطة التي لم تأت إلى المكان.
ظل الطفل مغشيّاً عليه في البيت لمدة تزيد على 45 دقيقة أدّت إلى تفاقم حالته، فاضطرت عائلته إلى حمله خارج المخيّم لتنقله سيارة الإسعاف التي كانت تنتظر عند الحاجز إلى المستشفى كما أفاد شهود عيان.
وأوضح الشهود أنّهم في المخيم يدفعون كل المستحقّات اللازمة لتلقّي الخدمات المطلوبة، كالإسعاف والإطفاء، لكن الاحتلال يتعمد ألا تقديم تلك الخدمات لهم، ما جعلهم يقدمون دعوى في محكمة الاحتلال، خلال مدة سابقة، على سيارات الدفاع المدني لأنها لا تنفذ مهماتها داخل المخيم، فحكمت المحكمة لمصلحتهم.
هذا الحكم لم يشمل الإسعاف "لأنه لم تكتمل الإجراءات بعد تقديم اللائحة إلى المحكمة". وذكر أحد الناشطين الشباب أنّ في المخيم "20 عنصر إسعاف مجهزين ومدربين، لكن نجمة داود ترفض التعامل معهم لإيصال الحالات إلى خارج الحاجز".
يقول الباحث في جمعية حقوق المواطن، حسام عابد، لـ"الأخبار"، إنّ بق"اء إجراءات مرافقة الشرطة لسيارة الإسعاف يعرقل عملها ويتسبّب في انتهاك حقّ السكّان الفلسطينيين في الحصول على خدمات صحية علاجية". وأكد عابد أنّ سيارة الإسعاف الإسرائيلية لا تتعرض لأيّ مضايقات من المواطنين الفلسطينيين "على عكس سيارات الشرطة".
أما المسعف في الهلال الأحمر، عطا جابر، فيقدر أنّ وصول سيارة الإسعاف يستغرق 10 دقائق بالحد الأقصى، "إذا كانت الحالة في المحافظة نفسها"، لكن شهود عيان تحدثوا عن تأخر كبير خاصة في المناطق العربية داخل المدينة المحتلة، وكلها كما يرون إجراءات لإجبار المقدسيين على النزوح.