طولكرم | ورود ياسين (19عاماً) قصة صغيرة من مئات الفلسطينيين الذين زُرعت في أجسادهم السموم بفعل أدخنة ومخلفات المصانع الإسرائيلية المجاورة لمنازلهم في مدينة طولكرم شمالي الضفة المحتلة. تعاني ورود وأفراد عائلتها مشكلات شديدة في التنفس نتيجة استنشاقهم لسنوات أدخنة المصانع التي نقلت من داخل الأراضي المحتلة إلى جانبهم. تقول لـ«الأخبار» إن جيراناً كثيرين أصيبوا بأمراض مشابهة، وآخرون أُصيبوا بالسرطان، «فيما رحل آخرون تاركين بيوتهم، لكن هذا لن نفعله لأن الهدف هو ترحيل أصحاب الأرض».
هذه المنطقة صارت أشبه بالجحيم، فالفلسطينيون لم يكتفوا من القتل المباشر واعتداءات المستوطنين وهجمات الجيش في مدنهم حتى لاحقتهم مصانع جزء منها يصدر نفايات ضارة، فصاروا فريسة سهلة للموت البطيء. غرب المحافظة (طولكرم) تُلوّثُ 12 مصنعاً إسرائيلياً الهواء والماء والتربة، وخلفت في عام واحد 150 إصابة بأنواع مختلفة من السرطانات. وكانت هذه المصانع قد أقيمت فوق 294 دونماً من الأراضي المحتلة عام 1967 سلبها الاحتلال.
ويفيد محافظ طولكرم، اللواء عبد الله كميل، بهذه الإحصائية، مؤكداً أن وجود المصانع غير قانوني، «لأن القانون الدولي يمنع استغلال الأراضي المحتلة لمصلحة رعايا الدولة المحتلة». وقال كميل لـ«الأخبار» إن المصانع الملوثة يملكها ويديرها رجال أعمال إسرائيليون، «بل أحدهم ضابط سابق في جيش الاحتلال تقاعد وتحول إلى رجل أعمال يملك أضخم المصانع على المنطقة المحتلة، وهو مصنع جيشوري للمواد الكيماوية».
وبسبب احتجاجات في الداخل المحتل قادها إسرائيليون بين عامي 1979 و1981، جرى بموجب قرار قضائي إسرائيلي ترحيل المصنع من مدينة نتانيا إلى طولكرم.
نحو 150 مصاباً بأنواع مختلفة من السرطان خلال عام في قرية واحدة

أما عن مدى خطورة «مصانع الموت»، فقال رئيس هيئة الأطباء الدوليين للحماية من الحرب النووية ـ فرع فلسطين، محمود سعادة، إنه بعد فحص الهواء الطلق في المنطقة، تبين أن 95% من أيام السنة تشهد وجود هواء ملوث، «إضافة إلى أن الخضراوات ملوثة كما نباتات الزعتر». يشرح الطبيب لـ«الأخبار» أنه لا يمكن اعتبار 150 إصابة بالسرطان رقما نهائياً، «فكل يوم قد يصاب آخر أو يتوفى شخص».
ويذكر سعادة أنهم سجلوا أنواعاً نادرة من الأمراض بسبب أدخنة المصانع الإسرائيلية، «ومن هذه الحالات أن يفقد أحدهم الإحساس بعد أن يتلف الجهاز العصبي نهائياً، فضلاً عن سرطان نادر جداً كالذي ينتشر في القلب وقاع الجمجمة وحتى في العيون، والأخير وجدناه بالتحديد بين الأطفال»، مشيراً إلى تزايد حالات الإجهاض المتكررة وتساقط الشعر الكثيف.
ووفقاً لتقديره، فإن المنطقة المحيطة بالمصانع كلها منكوبة، «وحتى لو افترضنا أن المصانع ستغلق نهائياً، فإن عملية تعافي المنطقة وسكانها تتطلب عشر سنوات من العمل، وتبدأ بترحيل كل السكان، وأيضاً في النهاية لا ضمان مؤكداً لتعافيهم تماماً». وأكد في الوقت نفسه أنه بينما تسعى إسرائيل إلى تحسين صورتها في كل المجالات خلال الاجتماعات الدولية والعمل على إخفاء الحقائق عن المخاطر البيئية والصحية المتعلقة بمصانعها، فإن «الجهود الرسمية المبذولة فلسطينياً لا تُقارن بنظيرتها».
وأخيراً، أعلنت سلطة جودة البيئة أنها تلقت تمويلاً من الحكومة البلجيكية لعمل دراسة بيئية عن المصانع الإسرائيلية في طولكرم تتضمن مسحاً ميدانياً عن الأسر المقيمة قريباً من المصانع، وأخذ عينات لتحديد التلوث، لكنها تبقى «دراسة» والموت البطيء هو الواقع.