فشلت المحاولات الأخيرة لإشعال محافظة السويداء، التي تستمر فيها بعض التظاهرات والوقفات المعارضة منذ نحو عام تقريباً، وذلك بعد أن تدخّلت مشيخة عقل الدروز، ونزعت فتيلاً حاولت بعض الأطراف استثماره للدفع نحو الفوضى، الأمر الذي أبقى الأمور مضبوطة في الجنوب السوري، بما يحتويه من خصوصية مكانية ودينية. وجاءت الإشكالات الأحدث بالتزامن مع توجّه الحكومة السورية نحو تأمين بعض النقاط العسكرية، في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، والتي تستهدف، في قسم كبير منها، مواقع تابعة للدفاع الجوي ومنظومات الإنذار المبكر، وكان آخرها اعتداء طاول، ليل الأربعاء، نقطة عسكرية في ريف السويداء، ذكرت مصادر إعلامية أنها تحتوي على رادار، في وقت أوضح فيه بيان وزارة الدفاع السورية أن الاعتداء الذي شنّته إسرائيل من اتجاه الجولان المحتل، استهدف عدداً من النقاط في الجنوب، وتسبب باستشهاد شخصين وإصابة عسكري بجروح وبعض الخسائر المادية.وضمن عمليات تدعيم نقاط الجيش السوري وتأمين انتشاره، تمّ إنشاء نقطة عند المدخل الشمالي للمدينة التي تعاني انتشاراً للسلاح ونشاطاً لشبكات التهريب، الأمر الذي استُثمر من قبل بعض الجهات لإشعال الأوضاع، عبر مطالبات بإزالة هذه النقطة، لتشهد المدينة اشتباكات بين الفصائل وعدد من النقاط الأمنية، قبل أن تتدخّل مشيخة العقل وتجتمع برئاسة الشيخ يوسف جربوع، وتخرج ببيان أنهى الأمر. وأكّد بيان مشيخة العقل رفض أي محاولات سياسية لجرّ الجنوب السوري نحو مشاريع انفصالية، استناداً إلى جهود تبذلها في الاتجاه نفسه الولايات المتحدة من قاعدة «التنف» غير الشرعية عند المثلث الحدودي مع العراق والأردن. كما أعلن بشكل صريح الوقوف إلى جانب الجيش السوري، والتعاون معه، والحفاظ على مؤسسات الدولة، والمطالبة بتفعيل الضابطة العدلية للقيام بمهامها في فرض النظام. وقوبل البيان بردود فعل إيجابية من قبل أطراف عدة، من بينها رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني»، طلال أرسلان، الذي أثنى على ما تمّ التوصل إليه، معتبراً أن «كل بندٍ صادرٍ عن هذا الاجتماع يعبّر عن حقيقة أبناء جبل العرب وموقفهم وتاريخهم، وتبقى الدولة بقيادتها الحكيمة وجيشها الملاذ الآمن الوحيد للسويداء كما لكل المحافظات السورية»، وفق بيان أرسلان.
طوت السويداء، عبر مرونة الحكومة السورية وبيان الشيخ يوسف جربوع، صفحة كان يراد لها أن تكون سوداء


ومنذ بداية الحرب في سوريا، عام 2011، حظيت المنطقة الجنوبية بخصوصية كبيرة، بسبب موقعها القريب من خطوط التماس مع الأراضي المحتلة من جهة، وامتداد سكانها الديني نحو مناطق في الجولان السوري المحتل ولبنان، الأمر الذي دفع السكان إلى النأي بأنفسهم عن الحرب، وتشكيل بعض الفصائل لحماية أنفسهم من هجمات المجموعات الإرهابية، بما فيها تنظيم «داعش»، الذي شن هجمات انتحارية وارتكب مجازر هناك عام 2018، تسببت بمقتل أكثر من 200 شخص. على أنه في أعقاب اندلاع بعض الاحتجاجات في السويداء، في شهر آب من العام الماضي، ظهر اهتمام أميركي وأوروبي كبير بأحداث الجنوب السوري، وسط محاولات لفتح خطوط تواصل سياسية مع عدد من الوجوه البارزة في السويداء، بالتزامن مع تصاعد نشاط موفق طريف، شيخ عقل طائفة الدروز في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي بدأ منذ نحو عامين حراكاً سياسياً داعماً لـ«فدرلة سوريا» وحصول السويداء على «حكم ذاتي»، أسوة بـ«الإدارة الذاتية» التي يقودها الأكراد في مناطق شرق الفرات. لكنّ هذا المشروع قوبل برفض علني من وجهاء السويداء، وشيوخ عقلها، وهو ما أكّده البيان الأخير للشيخ يوسف جربوع الذي شدّد على أن محافظة السويداء جزء لا يتجزأ من الجمهورية العربية السورية.
وعلى أي حال، طوت السويداء، عبر مرونة الحكومة السورية وبيان الشيخ يوسف جربوع، صفحة كان يراد لها، وفق مصادر في المدينة، أن تكون سوداء، لتعود إلى إيقاع الحياة الذي تعيشه منذ نحو عام؛ فتستمر مؤسسات الدولة في نشاطها، فيما تتواصل بعض التحركات المعارضة، تحت سقف بقائها سلمية وبعيدة عن مهاجمة المقارّ الحكومية أو الأملاك العامة، وهو ما أكّده البيان الأخير بشكل حرفي.