يُلاحظ من يُتابع الإعلام العبري ومنصة «إكس» في الأيام الماضية، محاولة مكشوفة لمحو إنسانية الشعب الفلسطيني المقاوم في غزة، وتمرير فكرة الضرب لأهداف مدنيّة داخل لبنان إلى أذهان الرأي العام العالمي. في مطلع الأسبوع الماضي، نشر حساب «إسرائيل» الرسمي التابع لوزارة خارجية العدو على منصة «إكس»، إعلاناً مدفوعاً على المنصة جاء فيه أنّ «لا مدنيّين أبرياء في غزة». أثار التصريح الذي أزاله الحساب الإسرائيلي بعد 24 ساعة فقط، موجة غضب عارم على منصة التواصل. وخلال المدة نفسها، تحدّث الرئيس التنفيذي لمنتدى «الدفاع والأمن الإسرائيلي» المقدم (احتياط) يارون بوسكيلا، مع يوآف مينيتز عبر «إذاعة الشمال» قائلاً إنّه «على إسرائيل استهداف البنية التحتية المدنية في لبنان للضغط على حزب الله». كلام الأخير الآتي في سياق الحرب النفسية مفهوم، ولكن أن تتحول منصة «إكس» إلى شريكة في إراقة الدماء الفلسطينية أعاد وضعها تحت المجهر الرقمي.بعد زيارة الملياردير إيلون ماسك مستوطنات غلاف غزة في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، كشف موقع «غلوبز» العبري في 12 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عن اجتماع سرّي حضرته مجموعة من الشخصيات البارزة، بمن في ذلك رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، ومنظم جولة ماسك عمري كاسبي، والعميد داني غولد (رئيس مديرية الأبحاث والتطوير الدفاعية الإسرائيلية وأحد مطوري نظام القبة الحديدية)، ورجل الأعمال مايكل آيزنبرغ، والرئيس التنفيذي لشركة الأمن السيبراني الإسرائيلية «تشيك» (CHEQ) والعضو السابق في وحدة الاستخبارات الإسرائيلية الشهيرة 8200، غي تيتونوفيتش، وفقاً لتعريف عنه منشور على موقع TechAviv. والأخير هو نادٍ وصندوق مالي إسرائيلي يساعد رواد الأعمال على «بناء شركات أفضل عبر المعرفة الجماعية». تمحور جدول أعمال الاجتماع حول دور التكنولوجيا في تعزيز قدرات «إسرائيل» الدفاعية، ومكافحة المحتوى «المعادي للسامية/ المعادي لإسرائيل»، ومعالجة الاستخدام الشائن للبوتات (روبوتات برمجية تؤدي أعمالاً بشكل مؤتمت) من قبل الدول «غير الديموقراطية» للتأثير على الرأي العام، بما في ذلك على «إكس». وكان الحل الذي اقترحه ماسك هو الاستعانة بخدمات «تشيك»، وهي شركة أمن إلكتروني أسسها عميل الاستخبارات الإسرائيلية السابق غي تيتونوفيتش، ويُزعم أنها بارعة في تحديد البوتات والمستخدمين المزيفين على الإنترنت وتحييدهم. واللافت أنّ ماسك سارع إلى إبرام صفقة مع شركة CHEQ بعد الاجتماع، إذ أشارت التقارير إلى أن «مشاركته المباشرة» سرّعت من إتمام الاتفاق. وتناسى ماسك الدور الهائل الذي يلعبه كيان الاحتلال في استخدام البوتات المتطورة وحملات التضليل ونشرها للتأثير والتلاعب بمنصة «إكس» (الأخبار» 5/6/ 2024 ـــ كما أن صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت تقريراً عن القضية في التاريخ نفسه).
تمرير فكرة الضرب لأهداف مدنيّة داخل لبنان إلى أذهان الرأي العام العالمي


في الرابع من حزيران (يونيو) الحالي، ضغطت حسابات مناصرة للشعب الفلسطيني على منصة «إكس» من أجل قطع العلاقات مع شركة AU10TIX الإسرائيلية للتحقق من الهوية على الإنترنت. وغرد هؤلاء بأن بيانات المستخدمين التي تجمعها شركة AU10TIX قد ينتهي بها المطاف في أيدي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وتقدم الشركة المملوكة للأخوين رون وجيل أتزمون تحت مظلة شركتهما الأم ICTS، أنظمة التحقق من الهوية البيومترية لشركات التكنولوجيا الكبرى مثل Airbnb وPayPal وLinkedIn منذ عام 2015. وقد استخدمت شركة «إكس» خدمات AU10TIX لما يقرب من أربع سنوات. لكن ما أعاد هذه القضية إلى السطح، إعلان «إكس» الشهر الماضي بأنّه بدءاً من الأول من تموز (يوليو) المقبل، على أي منشئ محتوى يتطلع إلى تحقيق الدخل من نشاطه على المنصة التحقق من هويته عبر نظام AU10TIX. أثار هذا الشرط غضب الأصوات المناهضة لإسرائيل على المنصة. ردّ إيلون ماسك على أحد المنشورات في هذا الشأن بالقول «نحن نحقق في الأمر». وصرّحت AU10TIX أنّها «ملتزمة بجميع معايير الخصوصية الدولية ولا تنقل التفاصيل إلى أي طرف ثالث. كانت هذه هي الحال دائماً وستظلّ كذلك دائماً». وبحسب موقع AU10TIX الإلكتروني، تتحقق الشركة من هوية المستخدمين في أكثر من 20 شركة وموقعاً إلكترونياً، أبرزها PayPal وغوغل وAirbnb وFiverr و«بنك التجارة الإمبراطوري الكندي» و«ساكسو بنك» وNeoGames وGuesty وPayoneer. وإذا صحّت شكوك مستخدمي «إكس»، فهذا يعني أنّ «إسرائيل» تملك بيانات المستخدمين في عالم منصات التواصل وفي القطاع المصرفي ومنصات العملات المشفرة وألعاب اللوتو والفنادق ومواقع الأعمال الحرّة.
فتح ماسك الباب أمام إساءة استخدام محتملة للمنصة، بما يسمح لإسرائيل بنشر المعلومات المضللة والتلاعب بالخطاب، من تضخيم الروايات المؤيدة لها بشكل مصطنع إلى قمع الانتقادات لسياستها الإبادية. ومع قدرة الاحتلال على الوصول إلى بيانات المستخدمين ومعلوماتهم البيومترية، يخاطر موقع «إكس» بأن يصبح «حصان طروادة»، إذ كلّ طموحه يتمثّل في أن يستحيل بوقاً إسرائيلياً تحت إشراف الشركات الإسرائيلية.