غزة | نصف عام مضى من أعمار أطفال غزة، من دون أن يجدوا فيه ما يسدّ رمقهم، إذ لم يكتفِ العدو بقتلهم بآلته الحربية، بل أمعن في فرض حصاره المشدّد على مدينة غزة وشمالها، ما منع عنهم الماء والغذاء منذ بدأت الحرب. تقول ولاء البطش، التي نزحت إلى مشفى «الشفاء» الطبي بعدما استهدفت الطائرات الإسرائيلية منزلها: «استشهد زوجي الذي كان يحضّر لنا الطعام والغذاء، ويخفّف عن أطفالنا عناء الحرب»، مضيفة بصوت تخنقه العَبرة: «لم يعُد يتوفر لدينا أي من مقومات الغذاء. الأسواق فارغة ولا يوجد أي شيء يمكن شراؤه؛ إن توفر فسعره مرتفع ولا نقوى على إحضاره». وتتابع: «عندما يتضوّر أطفالي من الجوع، أشتري لهم حبة جوز هند أو سمسم مع الماء». وفي ساحة أحد مراكز الإيواء، جلست منى بخيت تقلّب همومها. تقول المرأة لـ«الأخبار»: «يمضي النهار من دون أن أجد ما يسدّ رمق أطفالي. لا يوجد طحين ولا أرز ولا أي من مقومات الغذاء. عندما شكت طفلتي الجوع، لم أجد لها حلاً سوى النوم حتى يرزقنا الله». وتضيف: «أصيب ابن أخي مطلع الحرب، وأُجريَت له عملية جراحية في العظام، ولكن للأسف لم يلتئم العظم إلى الآن بل بات يتآكل. فلا تغذية سليمة ولا أدوية ولا فيتامينات تقوّي جسده لتساعد جرحه على الالتئام، وأحياناً يسكت معدته بحبة سمسم أو جوز الهند».
استشهد ما يزيد على الألف مواطن جراء استهدافهم أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات


أما حال إسلام حسام، فلا يختلف عن سابقاتها. تقول في حديثها إلينا: «لم يعُد في منزلنا ما نعدّه من طعام أو غذاء لأطفالنا، بعدما أحرق جنود الاحتلال منزلنا بكل ما فيه». وتضيف: «كانت طفلتي تلعب وسمعت صوتها تتحدث مع نفسها، فاقتربت منها لأعرف ماذا تقول. وإذ بها تحدّث معدتها وتقول لها: بكفي تصوصو، مش حكتلك إنه ما في أكل». وبدورها، تشتكي حنان عثمان، في حديث إلى «الأخبار»، سوء الوضع وقلة ذات اليد، قائلة: «كلّما قال لي أي من أطفالي أريد الطعام وأنا جوعان، أحتضنه وأبكي بكاءً مراً لعدم قدرتي على تلبية طلبه». أما ناريمان فاروق التي اعتقل الاحتلال زوجها وقتل أبناءها، فتؤكد أنها لم تعُد تقوى على الوقوف أو السير لعدم توفر الغذاء المناسب، خاصة أنها مريضة بداء السكري. وتقول: «لم نعد نحتمل الوضع. طفلتي تبكي طوال الوقت وأبكي معها لعدم قدرتي على تلبية طلبها. تصرخ طفلتي أحياناً، قائلة سأخرج وأنادي في الشارع أنا جوعانة بدي أكل».
يُذكر أن ما يزيد على الألف مواطن استشهدوا في مدينة غزة وشمالها جراء استهدافهم من قبل الاحتلال، أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات التي تصل من جنوب القطاع عبر دواري النابلسي والكويت. كما استشهد عدد آخر خلال محاولتهم الحصول على المساعدات التي يتم إنزالها بالمظلات، جراء سقوطها فوق رؤوسهم أو غرقاً في البحر بعد محاولتهم إخراجها منه.