لندن | يبدو أن التحوّل المعلن في موقف الإدارة الأميركية من الخطط الإسرائيلية لاجتياح مدينة رفح، والضغوط المحلّية التي تتعرّض لها لندن لوقف تصدير السلاح إلى الكيان العبري بعد مقتل ثلاثة بريطانيين في الغارة التي نفّذها الجيش الإسرائيلي على قافلة إغاثة دوليّة تتبع منظّمة «وورلد سنترال كيتشن» الخيرية، دفعت حكومة ريشي سوناك إلى تعديل شكلي في خطابها حول الموقف من الحرب، إذ أدلى رئيس الوزراء بتصريحات تزامناً مع ذكرى مرور ستة أشهر على هجوم السابع من أكتوبر، قال فيها إن «المملكة المتحدة بأكملها تشعر بالصدمة من إراقة الدماء (في قطاع غزة)، وروّعها مقتل الأبطال البريطانيين الثلاثة الشجعان الذين كانوا يجلبون الطعام للمحتاجين». وجدّد سوناك الدعوة إلى «هدنة إنسانية فورية يمكن أن تكون أساساً لوقف مستدام طويل الأجل لإطلاق النار»، مطالباً الجانب الإسرائيلي بضمان تمرير المساعدات بسرعة أكبر، لكنه تعهّد، في الوقت ذاته، بأن بلاده لن تتزحزح قيد أنملة «عن موقفها إلى جانب حقّ إسرائيل في الدفاع عن أمنها، وضرورة هزيمة إرهابيّي حماس». وقال سوناك إنه و»بعد ستة أشهر، لا تزال جروح إسرائيل غير ملتئمة، ولا تزال العائلات الإسرائيلية في حالة حداد، ولا تزال حماس تحتجز الرهائن». ووصف هجوم السابع من أكتوبر بـ»الهجوم الإرهابيّ الأكثر فظاعة في تاريخ إسرائيل، وأسوأ خسارة في الأرواح اليهودية منذ الحرب العالمية الثانية»، مشدداً على «ضرورة إطلاق حماس سراح الأسرى».من جهته، حذّر وزير الخارجية، ديفيد كاميرون، من أن دعم المملكة المتحدة لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها «ليس غير مشروط». وكتب في مقالة نشرتها أسبوعية «صانداي تايمز» اللندنية أن بلاده «تتوقّع أن تلتزم مثل هذه الديموقراطية الفخورة والناجحة (أي إسرائيل) بالقانون الإنساني الدولي، حتى عندما يتمّ تحدّيها بهذه الطريقة». وقالت الصحف المحلّية إن كاميرون قرّع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في شأن امتثال إسرائيل للقانون الدولي، وذلك إثر مقتل عمال الإغاثة في غارات متتابعة نفّذها الجيش الإسرائيلي، علماً أن من بينهم ثلاثة بريطانيين. وكتب كاميرون: «لا شك عنده في أين يقع اللوم في شأن هذا الحادث المروّع: لقد بيّن التحقيق الرسمي الإسرائيلي بالفعل السلوك غير المقبول لأفراد من جيش الدفاع الذين ارتكبوا الخطأ»، مشدّداً على ضرورة «ألّا يحدث ذلك مرّة أخرى».
وكانت هذه الحادثة قد أطلقت ضغوطاً سياسية وشعبية على الحكومة البريطانية لوقف تصدير السلاح إلى الدولة العبرية؛ إذ دبّج أكثر من 600 من كبار القضاة المتقاعدين والمحامين والخبراء القانونيين رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء، اعتبروا فيها تسليح بريطانيا لإسرائيل انتهاكاً للقانون الدولي. كذلك، نقلت إحدى الصحف عن أليسيا كيرنز، النائبة عن «حزب المحافظين» ورئيسة «لجنة الشؤون الخارجية» في مجلس العموم البريطاني، قولها إن محامي وزارة الخارجية أنفسهم خلصوا إلى أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي، وإن المملكة المتحدة، نتيجة لذلك، قد تضطرّ إلى وقف مبيعات السلاح إليها. ولم تنفِ مصادر وزارة الخارجية ذلك، كما أن نواب «حزب الديموقراطيين الأحرار» و»الحزب الوطني الاسكتلندي» في البرلمان، وبعض نواب حزبَي «العمّال» و»المحافظين»، تلاقوا بدورهم على حثّ الحكومة على إعادة تقييم كيفية دعمها لإسرائيل.
يبدو أن الحكومة البريطانية ليست في وارد حتى التفكير في وقف تصدير السلاح إلى الكيان العبري


وفيما تتضاءل قيمة الصادرات العسكرية البريطانية إلى إسرائيل، انتفض داعمو الكيان في المملكة لفرملة الاندفاعة في اتّجاه وقف تصدير السلاح. ووفق السير مايكل أليس، المدّعي العام السابق والعضو في البرلمان، فإنّ حظر تصدير السلاح إلى تل أبيب «خطوة خاطئة - استراتيجياً واقتصادياً وأخلاقياً»، إذ من شأنه أن يهدّد ثقة الشركاء بالمملكة كمصدّر موثوق للسلاح. وكتب، في صحيفة «تلغراف»، أن «لندن تزوّد بالفعل السعودية وقطر ومصر والعديد من (الأنظمة غير الديموقراطية) بالأسلحة، فكيف يمكننا مثلاً تبرير المبيعات الضخمة المستمرّة لقطر، التي تدعم حماس وتؤوي قادتها، بينما نرفض تزويد إسرائيل بالأسلحة، وهي تحارب هؤلاء الإرهابيين؟». من جهته، وصف رئيس الوزراء السابق، بوريس جونسون، في عمود تنشره له صحيفة «ديلي ميل»، الدعوات إلى وقف مبيعات السلاح إلى إسرائيل بالأمر «المخزي، والأقرب إلى الجنون»، متّهماً مَن يكرّرون هذه الدعوة بأنهم «راغبون في هزيمة إسرائيل عسكريّاً، وانتصار حماس».
لكن يبدو أن الحكومة ليست في وارد حتى التفكير في وقف تصدير السلاح إلى الكيان العبري، بل هي ستركّز بدلاً من ذلك على إظهار المملكة كمعنية بتوصيل المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة عبر البر والبحر والجو. وفي هذا الإطار، أعلن كاميرون إرسال سفينة تابعة للبحرية الملكية إلى شرق المتوسط، مع رصد ميزانية بقيمة 9.7 ملايين جنيه استرليني للتعامل مع «الوضع الإنساني المزري في غزة، واحتمال حدوث مجاعة حقيقية». بدوره، أكد وزير الدفاع، غرانت شابس، أن سفينة تابعة للبحرية تحرّكت فعلاً نحو شرق المتوسط، للمشاركة في التأسيس لممرّ بحري لنقل المساعدات إلى سكان القطاع، يفترض أن يكون جاهزاً بحلول أيار المقبل. ووفق بيان للحكومة، فإن سلاح الجو الملكي البريطاني سيواصل، بالتنسيق مع الحلفاء والدول الصديقة، عمليات إنزال جوّي للمساعدات العينية على طول ساحل غزة، وأيضاً براً عبر الأردن. كما أُعلن دمج فرق عسكرية بريطانية مع فرق التخطيط في المقرّ الرئيسيّ للعمليات العسكرية الأميركية (تامبا - فلوريدا)، وكذلك في قبرص للعمل على إنجاز الممرّ البحري (لارنكا - قبرص).