غزة | ما إن تصل إلى محيط مستشفى «الشفاء»، حيث مكث العدو لأسبوعين يحرق ويقتل، ستشعر وكأنّ زلزالاً ضرب المنطقة وأتى على كل شيء فيها. فكلّ منزل في المكان، أصبح عبارة عن كومة ركام. بعض العائدين يقفون أمام منازلهم في حالة من الصدمة لِمَا حلَّ بها، فيما يحاول آخرون التقاط ما يمكن استصلاحه أو الاستفادة منه.إزاء بيتها المدمّر، تقف أم محمد بركات وحولها بعض الحقائب والأكياس؛ تقول لـ«الأخبار»: «عدنا اليوم إلى بيتنا بعدما أَجبرنا الاحتلال الصهيوني على الخروج منه عند اقتحامه لمستشفى الشفاء الطبي، من دون أن نحمل أيّ شيء معنا، وما إن وصلنا، حتى صُدمنا من هول ما رأينا». وبحرقة تملأ قلبها، تتابع: «كان منزلنا المكوّن من خمس طبقات، يحوي بين جنباته 11 عائلة، أصبحت جميعها اليوم بلا مأوى»، متساءلةً: «ما هو ذنبنا نحن حتى يهدموا بيتنا؟ ما الذي فعلناه وما الذي اقترفناه؟». وهنا، تدخّلت أم أحمد، لتقول: «ليتهم اكتفوا بذلك؛ بل اعتقلوا زوجي وابني وفُقد والد زوجي (80 عاماً)، الذي كان أثناء خروجنا من البيت، يستند إلى أبنائه... وعلى بعد أمتار من المنزل، أمر جنود الاحتلال الابن بترك والده يمشي وحده، فقلنا إنه لا يستطيع، فأجبروه على تركه، واليوم عدنا ولم نجده في المكان». تكمل بركات: «نحاول استصلاح ما يمكن استصلاحه لأنه لا يوجد أيّ شيء في غزة حالياً، حتى الجلباب الذي أرتديه هو لأناس أعاروني إيّاه بعدما أَخرجنا الاحتلال بملابس الصلاة»، واصفةً منطقة «الشفاء» بـ«المنكوبة»: «لم يَعُد هناك مستشفى للعلاج، وأنا مريضة سكر وضغط ولا يوجد دواء أو علاج هنا». أمّا الحاج أبو مصطفى الذي سُوّي منزله بالأرض، فيرفض الحديث إلينا، قائلاً: «لا أقوى على الحديث، فالمشهد يتحدّث عن نفسه وحسبنا الله ونعم الوكيل».
في هذا الوقت، وبينما كانت العائلات تتوافد بسرعة إلى المكان، أوقفت «الأخبار» أمل حبوش وهي تسير مهرولة وتحمل طفلها. تقول: «أنا ذاهبة لكي أتفقّد منزلنا في مربع الميناء، وقلوبنا ترتجف لِما رأيناه من بداية الطريق، كلّ شيء هنا لم يَعُد كما كان». وأم أيمن التي جاءت لتتفقّد المنزل الذي نزحت إليه بعدما قُصف منزلها في أبراج الندى، تقول: «خرجنا بعد يومين من اقتحام مستشفى الشفاء هرباً من القذائف والصواريخ التي كانت تسقط حولنا، وجئت اليوم لأتفقّد المنزل وما تركته فيه من حاجيات ومستلزمات»، داعية الله أن تجده سالماً.