وحتى تأتي المجزرة التالية، علينا أن ننتبه لكل كلمة، قد تحرج جهة ما، أو تزعجها «لا سمح الله» فالمطلوب الآن رفع المعنويات. وعلينا إن تحدّثنا عن الإبادة الجماعية التي تحدث، أن ننتقي العبارات، وإن قلنا إنّ هذه الإبادة معركة ديموغرافية أيضاً، تبزغ العيون وتحدّق، وكأن القول جديد، وكأن الجرائد التي كانت تكتب عن «حرب الديموغرافية» في فلسطين، لم تعد معنيّة بها. وكأنها حين تعاملت مع تلك المقولات، كانت تكتبها من باب «المقاومة» بكل شيء، لكن حين «حَصْحَصَ الْحَقُّ» باتت الكلمات حراماً، والموانع كثيرة... والحق موزون على ميزان آخر، غير مفهوم على الأقل بالنسبة إليّ.
وحتى تأتي المجرزة التالية، سنحاول الانتصار بكتابة فصول جديدة من المأساة على صفحاتنا «الافتراضية»، وننتظر المحاسبة «الفايسبوكية»، حتى نضع صورة «الحظر الأزرق» معلنين عن قصد أو غير قصد، أننا نحاسب، وأن من وراء هذه المواقع يحاربنا (والله جد). ومع ذلك نطلب الدعم من الأصدقاء الحقيقيين والافتراضيين، من أجل أن يعود المجال لنا لنعبّر عن هول مصابنا. ومع ذلك علينا أن نعبّر، إن كان هذا فقط ما يمكننا فعله.
وحتى تأتي المجزرة التالية، نجلس نحن العجزة أمام الشاشات، لنتفرج على المجزرة، ولنسمع روايات المراسلين الصحافيين من الميدان. فنغضب ونصرخ ونسبّ. ونشاهد في اليوم التالي تظاهرات في العالم لإيقاف المجزرة، فيصير الحديث على بعض طاولات المقاهي عن قوة الرأي العام العالمي المناصر لنا والمناهض لإسرائيل، وكم سيؤثر هذا على إسرائيل في المستقبل. لكن هل سيوقف المجزرة، هل سيدفع سيد أميركا للتراجع عن دعمه لإسرائيل، وأسياد بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبعض الدول العربية المتخاذلة، وبعضها الداعم بصمت، وبعضها الساكت، وبعضها الصامت، وبعضها البالع «الموسى عالحدّين»؟ هل سيجلب الرأي العام العالمي موادَّ للإسعاف لإنقاذ رضيع كان يحتاج إلى الحليب قبل المجزرة الحالية.
وحتى تأتي المجزرة التالية، هذه المجزرة الحالية، فاعرفوا من أنتم بها.
* صحافي فلسطيني