ويتصاعد الجدل في إسرائيل بشأن العملية البرية، وسط تواتر الإشارات إلى إمكانية إبرام صفقة لتبادل الأسرى، برعاية الوسطاء القطريين، في حين أن الصفقة نفسها مقرونة بتأجيل تلك العملية التي تُعقّد إبرامها. ولعلّ هذا السيناريو هو ما حاولت الإدارة الأميركية أن تضغط على إسرائيل للسير فيه، إذ طلب الرئيس جو بايدن، من حكومة الحرب، أن يضمن جيش الاحتلال سلامة الرهائن إذا ما أراد الشروع في العملية البرية. ويَظهر أن واشنطن غير مقتنعة، إلى الآن، بتفاصيل الخطّة التي وضعها جيش الاحتلال، وهو ما أعربت عنه أوساط وشخصيات أميركية مختلفة، من بينها وزير الدفاع لويد أوستن، الذي أسرّ بذلك إلى نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، فيما نقلت شبكة «إيه بي سي» الإخبارية، الجمعة، عن مسؤول أميركي، قوله إن واشنطن أبلغت الإسرائيليين بعدم اقتناعها بوجود خطّة جيّدة لِما يريدون القيام به في غزة.
يدرك نتنياهو، الذي يخوض الحرب على غزة، المستنقع الذي تورّط فيه، ولعلّه لا يدير الظهر إلى مدى التراجع في شعبيته
على أنه لم يعُد سرّاً وجود انقسامات عميقة بين المستويَين السياسي والعسكري في إسرائيل، في شأن كيفيّة الغزو البري وتوقيته، مع إبداء بعض المسؤولين قلقهم من أن الخطوة قد تجرّ الجيش إلى معركة حضرية مستعصية داخل غزة، فيما يخشى آخرون من نشوب صراع أوسع نطاقاً مع «حزب الله» اللبناني. وطاولت الانقسامات أيضاً، شكل العملية، ما بين دعاة اجتياح كامل وواسع يدرك الاحتلال أنه سيدفع القوات البرية إلى معركة شاقّة ضدّ الآلاف من مقاتلي المقاومة المختبئين داخل شبكة من الأنفاق، يبلغ طولها مئات الأميال، وما بين أنصار تنفيذ عمليات توغّل محدودة، تستهدف جزءاً صغيراً من القطاع في كل مرّة، في عملية أقرب إلى استنزاف طويل الأمد، وهو ما يفسّر تصريحات بعض المسؤولين عن أن الحرب قد تستغرق سنوات. وفي إطار هذه الانقسامات، ظهرت الخلافات بين نتنياهو، وغالانت، في وقت أعلن فيه قادة الجيش انتهاءهم من وضع اللمسات الأخيرة على خطة العملية، لكن رئيس الحكومة يرفض المصادقة عليها، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية. ويبدو أن تردّد نتنياهو، يعود إلى أسباب عامّة وأخرى شخصية؛ فهو من جانب لا يبدي ثقته بقدرة الجيش على تنفيذ الهجوم، استناداً إلى كل الثغرات التي ضربت المؤسّسة الأمنية والعسكرية خلال الفترة الماضية. وبالتالي، فإن التورّط في عملية برية في غزة، والمخاطرة بفتح جبهات أخرى، سيجعلان نهاية نتنياهو أكثر سوداوية ممّا يعتقد، وخاصّة في ظلّ تراجع شعبيته، وتحميله مسؤولية كلّ هذا الإخفاق.
وطغى الانقسام داخل حكومة الاحتلال في شأن العملية البرية، على اهتمام الصحافة العالمية، إذ ذكرت مجلة «إيكونوميست» البريطانية، في تقرير، أن نتنياهو وجيشه «منقسمان بشكل مدمّر» حول طبيعة القتال ضدّ المقاومة الفلسطينية في غزة، وأن «انعدام الثقة المتزايد بين الطرفَين منذ ذلك الحين، يعيق الآن التخطيط الإسرائيلي للحرب»، مضيفةً أن «هذه الحرب أصبحت مسيّسة بشكل متزايد»، وأن «نتنياهو يتعرّض لضغوط متزايدة من قاعدته اليمينية المتشدّدة لإثبات استعداده لتدمير حماس». وذكرت الصحيفة أن وكلاء رئيس الوزراء يطلعون الصحافيين على أن «الجيش ليس مستعدّاً بشكل كامل للحملة البرية، وأنه بدلاً من تعريض حياة الجنود الإسرائيليين للخطر من خلال غزو سريع، كما يقترح الجنرالات، ثمة حاجة إلى المزيد من الضربات الجوية المدمّرة». وبحسب التقرير، فقد أدّى ذلك إلى ردود فعل غاضبة من الجيش لأنه «في الواقع جاهز».
وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» قد نقلت، في وقت سابق، أن هناك أزمة ثقة بين نتنياهو وجيشه، مضيفةً أنه «بعد 17 يوماً من الهجوم على إسرائيل، بات الكلّ في مصيدة»، وأن رئيس الحكومة «غاضب من الجيش، المتّهم، وفق رأيه، بكلّ ما حدث، ويجد صعوبة في اتّخاذ قرار دخول بري إلى غزة. وبحسب شهود في مقرّ قيادة الجيش، فإنّ النقاش هناك ليس مركّزاً، وليس هناك من يدير المجهود المدني». وعلى رغم تسليط الضوء على تلك الخلافات في وسائل الإعلام، إلا أن بعض المراقبين يحذّرون من أن ذلك قد يكون جزءاً من خطّة للتمويه والخداع، تريد إسرائيل إمرارها من أجل توفير عنصر المباغتة لعمليّتها، وهو ما تحتاج إليه، وما افتقدته بشدّة سواء في غزة أو مع المقاومة الإسلامية في لبنان.
وفي النتيجة، يدرك نتنياهو، الذي يخوض الحرب على غزة، المستنقع الذي تورّط فيه، ولعلّه لا يدير الظهر إلى مدى التراجع في شعبيته، والذي ظهّره استطلاع للرأي العام، نشرته صحيفة «معاريف»، أمس، وفيه أن حزب «الليكود» الذي يقوده نتنياهو، لن يحصل، في حال جرت الانتخابات، سوى على 19 مقعداً، إذ رأى 49% من المستطلَعين أن بيني غانتس هو الأنسب لتولّي منصب رئيس الحكومة، فيما اعتبر 28% أن نتنياهو الأنسب، وتراجع التأييد لتولي الأخير رئاسة الحكومة داخل «الليكود» أيضاً، حيث قال 57% إنه الأفضل لشغل المنصب. كذلك، أظهر الاستطلاع أن 49% يؤيّدون أن تؤجّل الحكومة قرار شنّ اجتياح بري واسع في قطاع غزة، فيما اعتبر 29% أنه لا ينبغي تأخير قرار كهذا، وأنه يجب أن يتمّ تنفيذه فوراً، علماً أن نسبة مَن أيّدوا الاجتياح كانت 65% في الاستطلاع الذي نشرته الصحيفة نفسها، الجمعة الماضي. وعزت الصحيفة الانخفاض المتقدّم إلى تطوّرات في شأن الأسرى الإسرائيليين في غزة، والإفراج عن أربعة منهم إلى الآن.