غزة | تقف وسط مجموعة من الأطفال تصفق لهم. يتحركون وهم يتبسمون، يمسكون مرة يدها ومرة عباءتها وحتى شالها، في محاولة منهم للفت أنظارها واللعب معها. تختلط بسمة الفرح اللاهية بالألم وبالحزن، لكنها تحاول بإمكاناتها البسيطة أن تتجاوز ما سببته الحرب لتعيد البراءة، أكثر المفاهيم التي يحاول العدو اغتيالها.
رغم إصابتها بشظية في عينها بعد استهداف منزل جيرانها، فإنها تزرع الابتسامة أينما ذهبت. أربع ساعات متواصلة تحت أشعة الشمس الحارقة تعمل خلالها أسماء سليمان (21 عاماً) متطوعة في تخفيف الضغوط التي تعرض لها الأطفال داخل مدرسة عبد العزيز التابعة لوكالة «الأونروا» غرب مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة.
لم تنتظر أسماء انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، فبمجرد وصول النازحين إلى المدارس باشرت أنشطتها التطوعية في مساعدة الناس، وتحديداً الأطفال، ويشاركها ستة ناشطين آخرين من الشباب من تلقاء أنفسهم، في إطار ما يسمى «شريان الحياة الشبابية».
وتأتي مبادرة أسماء ومن معها في ظل استمرار الحرب التي تمنع بدء العام الدراسي الجديد في غزة، فيما بدأت مدارس الضفة المحتلة أمس عامها الجديد بنشاطات تضامنية مع غزة في الطوابير الصباحية، وكان موعد بدء العام موضوعا خلافيا قبل أسبوع بين حكومة التوافق ووزارة التعليم في غزة (راجع العدد ٢٣٦٨).
تقول سليمان: «أنا وأخي محمد حصلنا على دورات في مجال الدعم النفسي، وبمجرد وصول النازحين إلى المدارس قبل مدة جرى تجميع الفريق الذي حصل معنا على الدورات نفسها، وأعددنا خطة لتقديم المساعدة إلى الأطفال في مراكز الإيواء خاصة، فهم تعرضوا لتجارب صادمة أثرت في نفسياتهم كثيرا، ثم بدأنا العمل داخل المدارس». وتضيف أن الأطفال في مراكز الإيواء يعانون أضرارا نفسية صعبة، «لذلك عملنا على تنفيذ جلسات تنشيط لهم من أجل التخفيف من الضرر لنفسي، وحاولنا التقرب منهم باللعب كنوع من التفريغ النفسي».
وتبيّن الشابة أن المشاركين يعملون بالتطوع، وهم اشتروا لُعباً وزعت على الأطفال في أول يوم شاركوا في العمل التطوعي، كذلك خلال يوم العيد وفي بعض مناسبات أعياد الميلاد، وقد جرى توسيع العمل ليشمل مساعدة الكبارعلى توزيع الطعام وتنظيف أمكنة السكن، وغيرها من المساعدات. وترى سليمان أن على الجميع تقديم ما يستطيعون، إذ إن ذلك يعد جزءاً من مقاومة المحتل، وهو واجب وطني وإنساني تجاه النازحين.
وليست تلك المجموعة الوحيدة التي تعمل ضمن مراكز الإيواء، بل هناك فرق عدة من المتطوعين الذين يشاركون منذ بداية العدوان في تقديم المساعدة والتخفيف عن المتضررين، من بينهم مثلاً فريق «ديرنا الشبابي».
ويشرح منسق «ديرنا الشبابي»، حسان أبو صفر، أن الفريق بدأ العمل منذ اليوم الأول للعدوان بهدف متابعة احتياجات الناس. ويوضح أن بداية التدخل الفعلي للمجموعة كان بتوزيع التمور والمياه على الصحافيين وموظفي مراكز الإسعاف والطوارئ، العاملين على تغطية الأحداث، وذلك من خلال جمع تبرعات من «أهل الخير والمقتدرين» ومن ثم توزيع طرود غذائية على الأسر المتضررة. ويضيف أن المرحلة الثانية بدأت مع شن الاحتلال عدوانه البري، الذي نتج منه لجوء عشرات آلاف العائلات إلى مراكز إيواء في مدارس «الأونروا»، في ظروف إنسانية صعبة.
ويقول أبو صفر: «أنشأنا فريقاً لتجميع البيانات في 13 مدرسة تابعة للأونروا في المنطقة الوسطى (من القطاع) من أجل تحديد الاحتياجات، فكان أولها الحاجة لتوفير الطعام والشراب ... كما حرصنا على التنسيق مع كافة الجهات العاملة على إغاثة المتضررين، وذلك من أجل منع الازدواجية، أو تضارب العمل».
وانتقل الفريق إلى المرحلة الثالثة حين عمل على إنشاء فرق متخصصة لتقديم المساعدة إلى الأطفال في مراكز الإيواء، فطلبوا مساعدة متطوعين متخصصين في مجال الدعم النفسي، واستندوا إلى خبرة الاختصاصيين الذين يعملون معهم لتنفيذ جلسات دعم نفسي للأطفال في تلك المراكز، كما أطلقوا مبادرة لتوزيع ملابس على عدد من الأطفال.
وقد أعلن أخيراً منتدى للمجموعات الشبابية عن نتائج المرحلة الثانية لحملة «شارك شعبك» و«أصوات من غزة»، التي كان من بين أهمها الكشف عن إخضاع 91 ألف طفل، بالشراكة مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، لنشاطات ترفيهية ودعم اجتماعي ونفسي، إضافة إلى توزيع أربعة آلاف طرد غذائي، وستة آلاف وجبة ساخنة و450 ألف لتر مياه من محطات التنقية للنازحين الذين اتخذوا مراكز الإيواء ملاجئ لهم.
كذلك يَمضي العشرات من المتطوعين في حملة «أغيثوا غزة» في المناطق الشمالية من غزة في توزيع المساعدات العاجلة التي ترسلها مؤسسة الإغاثة الزراعية إلى غزة. ومن بين هؤلاء المتطوعين، هلال أبو أسد، الذي يواظب على توزيع الطرود الغذائية وصناديق المياه والمواد الصحية في مناطق عديدة، مصمما على «دوره الوطني والإنساني» من خلال الانخراط في الحملة. وتشير إحصائية أصدرها «المركز الأورو ـ متوسطي لحقوق الإنسان في غزة» إلى أن عدد النازحين في القطاع يصل إلى 475 ألف شخص موزعين على 81 مدرسة، فيما أشارت إحصائية لـ«المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان» إلى أن عدد النازحين يصل إلى نصف مليون شخص.
وكان جيش الاحتلال قد قصف منذ بداية العدوان المتواصل منذ السابع من تموز الماضي ثلاثة مراكز إيواء تابعة لوكالة «أونروا»، ما أدى إلى استشهاد 41 فلسطينيا، وإصابة أكثر من 500 آخرين.