رام الله | استيقظ الفلسطينيون، أمس، على مجزرة جديدة في مخيم بلاطة في مدينة نابلس، في مشهد بات شبه يومي في مدن الضفة الغربية المحتلّة ومخيّماتها. وجاء العدوان على «بلاطة» واسعاً وشرساً؛ إذ لم يشهد المخيم مثله خلال السنوات الماضية، سواءً من حيث كثافة النار التي أطلقها جنود الاحتلال على المواطنين واستهداف كلّ ما ومن يتحرّك، أو من خلال عديد القوّات المقتحمة. واستمرّ الاقتحام الذي بدأ في ساعات الفجر الأولى قرابة 5 ساعات، وتخلّلته اشتباكات عنيفة مع المقاومين الذين تصدّوا لقوات الاحتلال، ما أسفر عن استشهاد المقاومين فتحي رزق، وعبد الله يوسف أبو حمدان، ومحمد زيتون، إضافة إلى إصابة ستّة آخرين، أحدهم بجروح خطيرة، لتزفّ «كتائب شهداء الأقصى»، لاحقاً، مقاتليها الثلاثة. وبحسب شهود عيان، فقد اقتحم جنود العدو المخيم الذي يُعدّ الأكبر في الضفة، من محاور عدّة، ونشروا قناصتهم على أسطح منازله، ومنعوا مركبات الإسعاف والطواقم الطبّية من دخوله وإخلاء الإصابات، قبل أن يباشروا اقتحام عشرات المنازل وتفتيشها والعبث بمحتوياتها. وتَركّز العدوان حول منزل عائلة أبو شلال الذي قصفه الجنود بعدّة صواريخ محمولة على الأكتاف، وعمدوا إلى تفجيره - إضافة إلى منزلَين آخرين -، ملحقين دماراً كبيراً بعدد من المنازل المحيطة به، ومتسبّبين بإصابة شاب وفتاة بجروح بفعل شظايا زجاج النوافذ. ويعدّ المطارد عبد الله أبو شلال، الضابط السابق في المخابرات الفلسطينية، أحد قادة «كتيبة بلاطة» وأبرز المطلوبين في المخيم، وقد فشلت قوات الاحتلال في اعتقاله للمرّة الرابعة على التوالي، لتضاف هذه المرّة إلى محاولات سابقة فشلت جميعها سواءً في اعتقاله أو اغتياله.
مع ذلك، زعم موقع «يديعوت أحرونوت» أن المقتحمين، الذين بلغ عددهم أكثر من 400 جندي من وحدات «سيرت جفعاتي» و«ماجلان» و«دوفدفان» واللواء 50 من قوات «الناحل» و«حرس الحدود»، استطاعوا تدمير مختبر يحوي متفجّرات شديدة الانفجار. وشهد مخيم بلاطة، في الأسابيع الماضية، ارتفاعاً كبيراً في الاعتداءات الإسرائيلية، على ضوء تنامي خلايا المقاومين داخله وتحديداً «كتيبة بلاطة»، وتنفيذها عمليات ضدّ قوات الاحتلال والمستوطنين والحواجز العسكرية. واستشهد شابان في 13 أيار الماضي خلال عملية عسكرية في المخيم، فشل الاحتلال على إثرها أيضاً في اعتقال المطلوبين المستهدَفين، فيما تَكرّر الموقف ذاته لناحية قصف المنزل المقصود بالقذائف الصاروخية (الأنيرجا)، ما أسفر عن احتراقه بشكل كامل. وتتكوّن «كتيبة بلاطة»، أسوةً بكتائب أخرى تشكّلت في مدن الضفة ومخيماتها، من مقاومين من مختلف الفصائل، وهي نفّذت العديد من الهجمات التي استشهد خلالها أبرز قادتها، إضافة إلى دورها في التصدّي لقوات الاحتلال خلال اقتحاماتها للمدينة.
مصادر محلّية لـ«الأخبار»: الاحتلال دفع بمئات الجنود إلى مخيم بلاطة، وكان في حالة مجنونة


وعن عدوان الأمس، قالت مصادر محلّية، لـ«الأخبار»، إن «الاحتلال دفع بمئات الجنود إلى مخيم بلاطة، وكان في حالة مجنونة، حيث عمد إلى إطلاق النار على كلّ من يتحرّك في المخيم بعد نشر قنّاصته في كلّ مكان فيه، كما استخدم كثافة نارية كبيرة»، عازيةً ذلك إلى «فشله الذريع الذي يُضاف إلى فشله السابق في الوصول إلى المقاومين المطلوبين لإنجاز هدف العملية، إلى جانب المقاومة الشرسة التي تواجه الجنود في المخيم، ولذلك يلجأ جيش العدو في كلّ مرّة إلى استخدام الصواريخ المحمولة لقصف منازل المقاومين لهدمها أو حرقها، ولعلّ هذا ما يفسّر وقوع إصابات في صفوف قوات الاحتلال في كلّ اقتحام، وهو ما تَكرّر أمس، إذ أُعلن عن إصابة ضابط بجروح طفيفة». وبحسب الإحصائيات الرسمية، فقد ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين، عقب مجزرة بلاطة، منذ بداية العام الجاري، إلى 156 شهيداً، 36 منهم في قطاع غزة، وبينهم 26 طفلاً. ونعت الفصائل الفلسطينية الشهداء الثلاثة الجدد، مشيدةً بتصدّي المقاومين لقوات الاحتلال، ومؤكّدة أن هذه المجزرة، وقبْلها اقتحام وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، للمسجد الأقصى، وعقد حكومة العدو اجتماعها الأسبوعي في نفق تحت حائط البراق، تؤكّد أن «الحساب مع الاحتلال مفتوح»، وأن «الردّ على كلّ ذلك قادم لا محالة».
وما إن انسحب جيش الاحتلال من مخيم بلاطة، حتى تسلّلت قوات خاصة إسرائيلية إلى مدينة جنين وأطراف مخيمها، وتبعها اقتحام آليات لعدّة أحياء من المدينة، ونشر قناصة على أسطح بعض البنايات في حيَّي المراح وخلة الصوحة. وعلى إثر ذلك، اقتحم جنود العدو المنازل، وعبثوا بمحتوياتها، قبل أن يعتقلوا 3 شبّان، وسط مواجهات اندلعت بينهم وبين الشبّان في عدّة مناطق من مدينة جنين. كما أطلقوا كلابهم البوليسية صوب والد أحد المعتقَلين، ما أدى إلى إصابته بجروح نُقل على إثرها إلى المستشفى. وجاءت هذه التطوّرات بعد ساعات فقط من عملية دهس في بلدة حوارة، أصيب خلالها جندي من جيش الاحتلال بجروح، فيما تمكّن منفّذها من الانسحاب من المكان. وفي أعقاب العملية، أعلن جيش الاحتلال الاستنفار والتأهّب في المنطقة، ونصب الحواجز العسكرية في محيط نابلس، كاشفاً أن المركبة التي دهست الجندي انسحبت في اتّجاه مدينة نابلس.
وزادت حادثة الدهس الجديدة غضب المستوطنين، وتحديداً في شمال الضفة الغربية، حيث تعرّض هؤلاء لأكثر من عملية فدائية قُتل خلالها العديد منهم. وهاجم يوسي دغان، رئيس «مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية»، رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، واتّهمه بالمسؤولية عن عمليات المقاومة. واعتبر دغان أن «على الحكومة الإسرائيلية تكثيف الحواجز الأمنية، والقيام بعملية عسكرية واسعة ضدّ السلطة». وترتفع مطالب المستوطنين، بعد كلّ عملية فدائية، بضرورة شنّ الجيش هجوماً عسكرياً واسعاً في شمال الضفة، وهو ما ازدادت وتيرة الدعوة إليه بعد العدوان الأخير على قطاع غزة. وعلى ضوء ذلك التحريض، وأيضاً في ظلّ الهجمة الاستيطانية الكبيرة على الضفة، والتي تَمثّلت أحدث حلقاتها في قرار حكومة الاحتلال السماح للمستوطنين بالعودة إلى المستوطنات المخلاة سابقاً ومنها «حومش»، تتزايد احتمالات انزلاق الأوضاع في الأراضي المحتلّة إلى المزيد من التدهور، وصولاً ربّما إلى انفجار شامل لا تزال إسرائيل تحرص على تجنّبه.