تظلّ توقّعات حدوث اختراق في محادثات جدة لصالح وقف دائم لإطلاق النار محدودة للغاية
وبالنظر إلى بطء سيْر المحادثات وضآلة مخرجاتها، فإنه لا يتوقّع إنجاز الترتيبات الأمنية المترتّبة عليها بسهولة، لا سيما وأن مسألة من مثل «عودة الخدمات الأساسية» التي اتُّفق عليها، ستعني حال تحقُّقها حرمان قوات «الدعم السريع» من أغلب قدراتها التفاوضية الراهنة، حال الاتفاق على نقاشات جديدة في جدّة لإرساء هدنة «مطوّلة». وعليه، تُرجَّح إعادة النظر في تفاصيل الإعلان خلال أيّ جولات لاحقة، لا سيما من جانب «الدعم»، ومن ثم تمديد أيّ جداول زمنية مقرَّرة لهذه المرحلة.
وكشف بيان الخارجية الأميركية (التي يتألف وفدها في الوساطة من مسؤولين في السفارة الأميركية في الرياض والملحق العسكري الأميركي، والسفير الأميركي في الخرطوم، ومنسّق من مجلس الأمن القومي) حول الإعلان عن مقاربة «الخطوة بخطوة» التي ستمضي بمقتضاها محادثات جدّة اللاحقة، تطلُّع الرياض وواشنطن - بالتشاور مع القوات المسلحة السودانية و«الدعم السريع» - لمناقشات مع المدنيين السودانيين والشركاء الإقليميين والدوليين «حول المشاركة في جولات المحادثات التالية»، في نصّ مطابق للبيان السعودي. لكن عدم تضمين مثل هذه الإشارة في «إعلان جدة» يوضح أن هذه النقطة ليست منسّقة مع القوات المسلحة السودانية الحريصة، من جهتها، على وضع المحادثات في سياقات دنيا لإنهاء أزمة تمرّد داخلية، وليس في إطار أشمل ينشّط العملية السياسية الانتقالية في البلاد، كما يوحي البيانان السعودي والأميركي. كما رشح من تصريحات مسؤولين أميركيين مطّلعين، عقب توقيع الإعلان، أن وجه اختلاف الأخير عن هدن وقف إطلاق النار السابقة، شموله محاولة (الأميركيين) تطوير آلية لمراقبة وقف إطلاق النار بدعم من الأمم المتحدة والسعوديين ودول أخرى (لم يسمّها)، وأنه بالنظر إلى عمق العداء بين «الطرفَين» و«الصراع على السيطرة»، فإن الإعلان يهدف إلى الانتقال سريعاً إلى «مناقشات حقيقية» حول آليات تطبيق ما تمّ الاتفاق عليه.
وهكذا، يُرتقب أن تَستأنف محادثات جدّة خطواتها البطيئة من دون طرْح تصوّر محدّد لحجم انخراط القوى المدنية أو الأطراف الإقليمية والدولية فيها في الفترة المقبلة (كما أعلنت الرياض وواشنطن)، ومن دون تقديم القوى السياسية السودانية رؤى إزاء المشاركة من عدمها، وفي ظلّ مواصلة راعيا المحادثات سياسة الإملاءات على أطرافها، فضلاً عن غموض مسألة «الإجراءات الأمنية المحدّدة» وما إذا كانت ستتضمّن استقدام قوات إقليمية أفريقية «للمراقبة» أم أنّ الولايات المتحدة والسعودية «وشركاء دوليين» سيشرفون عليها. ويدفع ذلك إلى توقُّع استدامة المحادثات في موازاة استمرار الأعمال العدائية خلال ما تبقّى من أيار الجاري على أقلّ تقدير.
في المحصّلة، تظلّ توقّعات حدوث اختراق في محادثات جدة لصالح وقف دائم لإطلاق النار محدودة للغاية، لا سيما وأن مخرجاتها، بعد عشرة أيام، بدت هزيلة للغاية ولا ترتقي إلى مواجهة التحدّيات الآنية التي يواجهها الشعب السوداني، بل وتتّسق مع جهود إضاعة الوقت لحسم الصراع على الأرض، وكذلك مع استمرار تقديم «شركاء السودان» حلولاً سياسية ملتبسة وغير واضحة ومغذّية للصراع من قَبيل السعي إلى القفز فوق المعضلة «الأمنية» الراهنة، إلى إقرار الوضع القائم وشرعنته بمشاركة «مدنية» سودانية، والعودة الجبرية إلى عملية سياسية فوقية وإقصائية.