في أعقاب فشل المسار الأممي لحلّ الأزمة السورية (اللجنة الدستورية) في تحقيق أيّ تقدّم ملموس قبل تجميده، وبالتوازي مع حركة الانفتاح العربية على دمشق، ومحاولات موسكو وطهران تحريك المياه الراكدة بين سوريا وتركيا عبر مسار «أستانا»، يبدو أن المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، وجد أخيراً طريقة لإحياء مبادرته «خطوة مقابل خطوة»، والتي تعرّضت للإجهاض قبل إطلاقها، إذ يحاول بيدرسون استثمار تلك التطوّرات في تثبيت دور أممي في الحلّ السوري، في وقت عاد فيه ملفّ «المساعدات العابرة للحدود» إلى الواجهة مرّة أخرى، مع تلويح روسيا بإعادة تقييم الموقف بخصوصه، واتّهام الدول الغربية باستثمار القرار الأممي بشأنه بشكل سياسي
على الرغم من تحوّل جلسات مجلس الأمن الخاصة بسوريا إلى إجراء روتيني تقوم من خلاله كلّ دولة بتكرار مواقفها السابقة، بينما تقدّم الأمم المتحدة من وقت إلى آخر إحصاءات الدمار المستمرّ في البنية السورية جرّاء الحرب، جاءت الجلسة التي ترأّستها روسيا أوّل من أمس ببعض المستجدّات، وذلك على وقع حركة الانفتاح العربية على دمشق والتي انضمّت إليها الرياض أخيراً، والمفاوضات السورية - التركية برعاية روسية - إيرانية. وعبّر المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، الذي نشط خلال الأسبوعَين الماضيَين عبر إجراء سلسلة لقاءات بهدف تحريك المسار الأممي، عن تفاؤله بتطوّرات من شأنها أن تحلحل المشهد السوري المعقّد، معتبراً، في كلمته خلال الجلسة، أن «سوريا مقبلة على نقطة فارقة ومهمّة في ظلّ الاهتمام المتزايد من دول المنطقة»، مضيفاً أن تواصل مسار «أستانا»، والحراك الدبلوماسي القائم حالياً، من شأنهما أن يساهما في الدفع نحو الحلّ الأممي وفق القرار 2254. وعلى عكس التوجّه الأميركي المعلَن برفض التطبيع مع سوريا، رأى المبعوث الأممي أن هذا التطبيع سيوسّع دائرة مشاركة القوى الفاعلة، مشدّداً على أن الأوضاع في سوريا «لا يمكن حلّها من قِبل طرف واحد»، معيداً التذكير بمبادرته «خطوة مقابل خطوة»، والتي تقضي بفكّ عزلة دمشق مقابل خطوات تتّخذها الأخيرة على الأرض، وهي مبادرة لم تلقَ أيّ نجاح في ظلّ حالة عدم اليقين إزاءها، على رغم أنها حظيت، وقت إعلانها، بمباركة أميركية كونها تعني، بشكل أو آخر، «شرعنة الوجود الأميركي» غير الشرعي على الأراضي السورية.
وقدِم بيدرسون، الذي يبدو أنه يحاول إعادة الحياة إلى الدور الأممي المجمَّد في الملفّ السوري، إلى مجلس الأمن، بعد نحو خمسة أيام على حضوره اجتماعاً غير رسمي مع ممثّلين عن دول الاتحاد الأوروبي في العاصمة اليونانية أثينا، بدعوة من اليونان التي قطعت، هي الأخرى، شوطاً في إعادة ترتيب علاقتها بسوريا، عبر تعيين السفيرة السابقة في دمشق، تاسيا أثاناسيو، مبعوثة خاصة للشأن السوري تنشط من بيروت. وكان المسؤول الأممي قد استمع، خلال الاجتماع، إلى طروحات عديدة حول تغييرات يجب القيام بها إزاء الأوضاع في سوريا، وهي طروحات تتقاطع أيضاً مع المبادرة التي يقودها الأردن لإعادة فتح الأبواب المغلَقة بين دمشق والعواصم الغربية، ما يمكن أن يمثّل فرصة، بحسب بيدرسون، لإعادة تنشيط مسار «اللجنة الدستوية»، وإحياء «خطوة مقابل خطوة».
يأتي تحريك ملفّ المساعدات في وقت يشارف فيه القرار الأممي الذي وافقت موسكو على تمديده بالخصوص على نهايته


بدورها، أعادت روسيا، التي تترأّس مجلس الأمن هذا الشهر، فتح ملفّ المساعدات الأممية، والتي كانت وافقت سوريا، بعد وقوع زلزال السادس من شباط، على فتح معبرَين إضافيَّيْن من أجل إدخالها عبر تركيا لمدّة ثلاثة أشهر، إلى جانب معبر باب الهوى. وإذ يأتي تحريك الملفّ اليوم في وقت يشارف فيه القرار الأممي، الذي كانت وافقت موسكو على تمديده لستّة أشهر أخرى مطلع العام الحالي، على نهايته (تنتهي مفاعيله في شهر تموز المقبل)، فقد عبّر المندوب الروسي في الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، عن رغبة بلاده في إعادة النظر في الآلية القائمة، في ظلّ عدم وفاء الدول الغربية بتعهّداتها بموجبها، وعلى رأسها إدخال المساعدات عبر الخطوط (دمشق) وعبر الحدود في آن، بالإضافة إلى تقديم دفعة لعمليات التعافي المبكر، والتي فاقم الزلزال وما رافقه من أزمات معيشية وإنسانية من ضرورة تسريع وتيرتها.
وأشار نيبينزيا، في كلمته، إلى أن «المعابر المخصَّصة لإدخال المساعدات (عبر الحدود التركية - السورية) تُستخدم لأغراض أخرى غير متعلّقة بالوضع الإنساني (...) الوضع يبدو وكأن التصريحات التي منحتها دمشق لاستخدام نقطتَي عبور إضافيتَين خلال 3 أشهر، قلّصت إلى الصفر رغبة الأمم المتحدة في رفع القيود عن نقل المساعدات عبر خطوط التماس»، محذّراً من أنه «إذا استمرّ زملاؤنا الغربيون في مجلس الأمن الدولي في التصرّف وكأنه لم يحدث شيء، وفي تجاهل إحباط تنفيذ قرار مجلس الأمن من قِبَل (الإرهابيين) الدوليين، فإننا سنخرج بالاستنتاجات المطلوبة من الوضع الراهن أثناء صياغة موقفنا بشأن تمديد آلية نقل المساعدات عبر الحدود، والمخطَّط له في تموز المقبل»، لافتاً إلى أن «الآلية القائمة استنفدت قدراتها منذ فترة طويلة، وتُستخدم لأغراض أخرى بعيداً عن معالجة الوضع الإنساني».
وتسعى موسكو، عبر ربطها آلية إدخال المساعدات بمطالب أخرى، إلى كسر الحدود التي رسمتها الحرب وما أفرزتها من مناطق سيطرة، بالإضافة إلى تقديم دفعة لملفّ عودة اللاجئين والنازحين عبر ترميم البنى التحتية في المناطق المدمَّرة بشكل يضمن أساسيات الحياة للعائدين. وفي هذا الجانب تحديداً، تستمرّ الولايات المتحدة والدول الغربية، في المقابل، في ربط العودة بالعملية السياسية، بشكل يحوّل ذلك الملفّ إلى ورقة ضغط على طاولة المفاوضات، وينذر بمعارك دبلوماسية جديدة سيشهدها مجلس الأمن خلال الشهرَين المقبلَين، وخصوصاً مع استمرار مسار الانفتاح السوري - التركي، والذي من شأن وصوله إلى خواتيمه أن يسحب جزءاً كبيراً من المسألة الإنسانية من طاولة التفاوض السياسي.