الخرطوم | على رغم دخول الاشتباكات المسلّحة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» أسبوعها الثاني، يقف «المجتمع الدولي» عاجزاً أمام إيجاد حلٍّ سلمي للأزمة القائمة في هذا البلد، بعدما اختار، كما يبدو، الركون في خانة المتفرّج، حيث يراقب طحْن الأطراف المتقاتِلة بعضها بعضاً، في انتظار كسْر أحدها شوكة الآخر. ومع سقوط عشرات الضحايا السودانيين، مدنيين وعسكريين، تتسابق الدول الكبرى لإظهار قدراتها في عمليات إجلاء رعاياها من الخرطوم، بل إن زعماء بعضها يتباهَون بأن هذه العمليات تمّت بدقّة عالية، ومن خلال خطط تأمينية لا يمكن اختراقها. ونتيجةً لتسارع إجلاء الرعايا الأجانب من البلاد، اتّضح للسودانيين أن «المجتمع الدولي» لا يسعى إلى إنهاء الحرب، بل إن هدف الدول الكبرى فقط تأمين خروج مواطنيها من السودان. وبدا أيضاً أن غياب ضغط الدول الحليفة لطرفَي النزاع، وبخاصّة الإقليمية، في اتّجاه وقف الحرب، مردّه التريّث إلى حين اتّضاح أيّ المعسكرَين تميل إليه الكفة. وحينها فقط، يجد الرابح الدعم والتأييد من تلك الدول التي تهمّها مصالحها في المقام الأول.وكانت الدول الحليفة اكتفت بانتزاع ساعات مشروطة للهدنة لأغراض إنسانية، سرعان ما تمّ خرقها من قِبَل أحد الطرفَين. وعلى رغم إعلان الجانبَين موافقتهما على وقف إطلاق النار الذي ترعاه الولايات المتحدة بالتنسيق مع السعودية، إلّا أنهما تبادلا الاتهامات بخرقه، فأعلنت «الدعم السريع» - مثلاً - أن قوّاتها المرابطة في محيط القصر الجمهوري في الخرطوم تعرّضت للقصف بواسطة الأسلحة الثقيلة والطائرات، فيما قال الجيش إنه رصد أرتالاً من المركبات آتية من غرب البلاد إلى العاصمة لتنفيذ عمليّات عسكرية، بالإضافة إلى نشاط مجموعات القنّاصة التي نشرتْها «الدعم» على أسطح المباني في مناطق مختلفة من الخرطوم. وفي ظلّ تبادل الاتهامات، يضيق المجال أمام الحلول السلميّة، أو نجاح أيّ جهود للوساطة في المستقبل القريب، فيما يرى مراقبون أن تدخّل حلفاء طرفَي النزاع، كوسطاء، من شأنه أن يؤجّج الحرب لا أن يحقّق السلام، ذلك أن تقاطع مصالح تلك الدول في السودان يجعلها راغبة في إطالة أمد الاقتتال، إلى حين انكسار أحد الطرفَين.
يرجّح محلّلون إبعاد قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وهيئة أركانه، عن المشهد، حين تنتهي المعركة


على المستوى الداخلي، وعلى رغم الخسائر البشرية والمادّية الكبيرة، ترتفع أصوات تنادي بمواصلة القتال إلى حين التخلّص من «القوات المتمرّدة على الجيش». وإنْ لم يكن استمرار الحرب إلى ما لا نهاية خيار هذا الأخير، فإن الراغبين في إدامتها يَعتبرون أن هناك ضرورة للتخلُّص بصورة نهائية من قوات «الدعم السريع» التي مثّل وجودها خطراً دائماً على الدولة السودانية. ويأتي تصاعُد أصوات هذه التيارات على خلفية موافقة قيادة الجيش على الهدنة، إذ يرَون في الأخيرة تمهيداً لوقف إطلاق النار والجلوس مجدّداً للتفاوض، وهو أمر مرفوض بخاصّة من جانب أفراد القوات المسلّحة. وبحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن قيادة الجيش منقسمة بين مَن يرى أن أمد حسْم المعركة قد طال وأنه يجب الحسم مهما كلّف الثمن، وبين مَن يقول إن هناك ضرورة للتريّث من أجل تقليل الخسائر البشرية، لا سيما وأن منتسبي «الدعم السريع» يحتمون في منازل المدنيين، ممّا يصعّب من مهمّة الجيش. وفي هذا السياق أيضاً، يرجّح محلّلون إبعاد قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وهيئة أركانه، عن المشهد، حين تنتهي المعركة، حتى وإنْ تمّ حسْمها لمصلحته. وفي رأي هؤلاء، فإن عزْل قيادة الجيش ليست إلّا مسألة وقت، لا سيما وأن القرارات التي اتّخذتها تلك المجموعة هي التي جرّت البلاد إلى حرب كان يمكن تلافيها، لو لم يتعامل البرهان مع الأزمة باعتبارها معركة ثأر شخصيّ. كما أن سياسة قيادة الجيش وإدارتها للقوات المسلّحة، أضعفتا المؤسّسة، ومكّنتا «الدعم السريع» على حسابها.
في هذه الأثناء، ثمّة طرف مدني، على رغم عدم ميله لمواصلة الحرب، لكنه، في الوقت ذاته، يرى أن الهدنة ووقف إطلاق النار يعنيان إمكانية الجلوس والتفاوض مرّة أخرى مع الطرفَين المتقاتلَين: قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد «الدعم» محمد حمدان دقلو، وهو ما ترفضه هذه المجموعة. لكن يبدو أن القوى المدنية الموقّعة على «الاتفاق الإطاري» لا تمانع الجلوس مرّة أخرى مع قيادة الجيش و«الدعم»، طالما أن ذلك سيؤدّي إلى وقْف الحرب وحقن الدماء. ومن هنا، قادت تلك القوى جهوداً مع طرفَي النزاع، خلال اليومَين الماضيَين، وبتواصل مع الولايات المتحدة، لتمديد الهدنة إلى 72 ساعة. كما أبدت، في بيان، ترحيبها بالخطوة، على أمل أن تشهد فترة الهدنة مناقشات للتوصّل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار بصورة دائمة، تمهيداً لحلّ سلمي ينهي الحرب. وأشار البيان إلى أن «القوى المدنية تعمل على التنسيق مع المبادرات الوطنية وخلق قاعدة واسعة من القوى المدنية للتعجيل بوضع حدٍّ للحرب واستعادة المسار السلمي»، فيما يذهب محلّلون إلى الاعتقاد بأن القوى السياسية المدنية ستقع فريسة سهلة للطرف المنتصر في المعركة، أيّاً كانت هويته، كونه سيعمل على تهميشها وتأسيس حكم ديكتاتوري لا مجال معه للتداول السلمي للسلطة.