القاهرة | اتّفقت مصر والسعودية والإمارات، في الاتصالات التنسيقية في ما بينها خلال الأيام الماضية، على ترك المعركة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» تُحسم على الأرض. صحيح أن كلّ طرف من الأطراف الإقليمية المعنيّة يميل إلى أحد جانبَي المعركة، وهو ما يترجَم بمساندة خليجية - إماراتية خصوصاً - لـ«الدعم»، في مقابل وقوف مصري - جزائري (مع عدد من الدول الأفريقية) إلى جانب الجيش السوداني، إلّا أن القاهرة تعهّدت بعدم تقديم معلومات استخبارية تعاونية للجيش، في مقابل التزام إماراتي مماثل. ويشي هذا التفاهم بأن تلك الأطراف باتت مقتنعة بأن الاقتتال لن ينتهي إلّا بهزم أحد جانبَيه الآخر، وخصوصاً لناحية السيطرة على العاصمة الخرطوم التي تتركّز المواجهات فيها في مقابل خفوتها في معظم الولايات الأخرى. كذلك، ثمّة اقتناع إقليمي، على ما يبدو، بأنه لم يَعُد للقوى المدنية أيّ تأثير على طرفَي الصراع العسكري، وبالتالي فإن أيّ محاولات وساطة يجب أن تكون مرتَّبة من الخارج.وبحسب المعلومات، فإن التفاهمات الأوّلية تقتضي ترتيب لقاء بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في الرياض أو أبو ظبي خلال الأسابيع المقبلة من أجل بحث إمكانية التفاوض، وخصوصاً أن السعودية تتحفّظ على عرض إسرائيل استضافة الرجلَين، على رغم تفهّمها تحرّكات تل أبيب إزاء الأزمة السودانية في ظلّ وجود مصالح متعاظمة للأخيرة مع قوات «حميدتي» على وجه التحديد. كذلك، يرتبط جانب من التفاهمات بتبادل المساعدات لإنهاء عمليات إجلاء الأجانب المقيمين في السودان، ووفود السفارات الأجنبية التي تتحرّك للخروج برّاً وبحراً مع استمرار إغلاق المجال الجوي، علماً أن بعضهم غادر برّاً بالفعل إلى مصر من خلال طريق ممتدّ لأكثر من 800 كلم باعتباره أكثر أمناً من الطرق المؤدّية إلى البحر. أيضاً، جرى التوافق على تسهيل دخول السودانيين من دون تأشيرات للفئات العمرية المطلوب حصولها على تأشيرات دخول، تجنّباً لتدفّق أعداد أكبر من اللاجئين إلى معبر أرقين.
تعمل القاهرة على تنسيق عودة 15 ألف مصري موجودين في السودان


في هذا الوقت، شكّلت مصر خلية أزمة من المخابرات العامة ووزارة الدفاع إلى جانب عدّة جهات معنيّة لمتابعة الوضع في السودان عن كثب، وتقديم تقارير للرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل يومي وأحياناً مرّتَين في اليوم. ومن بين ما تُعنى به هذه اللجنة، حوادث القتل التي يتعرّض لها مصريون، والتي يتبادل طرفا النزاع الاتّهامات بالمسؤولية عنها، ويعِدان بإجراء تحقيقات فيها، ويُعدّ مقتل مساعد الملحق الإداري في السفارة المصرية في الخرطوم أحدثها والأوّل المتعمّد من بينها، بعد وفاة طالب في كلّية الطب الأسبوع الماضي. أيضاً، تعمل القاهرة بشكل مكثّف من أجل انتظام العمل في معبر أرقين، الذي بدأ بتلقّي مساعدات إغاثية من «الهلال الأحمر» باعتباره أقرب نقطة آمنة إلى السودان، وهو سيستمرّ في العمل من الجانب المصري على مدار الساعة من أجل استقبال أكبر عدد ممكن من المسافرين، مع وضع قيود على الداخلين إلى السودان وهُم بأعداد محدودة للغاية. كذلك، كثّف الجيش المصري من نشر قواته على الشريط الحدودي مع السودان، في ظلّ تعليمات بعدم التعامل عسكرياً مع أيّ طارئ إلّا حال التعرّض للهجوم، والعودة إلى القيادة العامّة للجيش قبل اتّخاذ أيّ قرار يمكنه الانتظار، والتنبّه إلى أيّ عمليات دخول وخروج غير شرعية من خارج «أرقين».
أمّا على مستوى الإجلاء، فتسرّع مصر جهودها من أجل عودة رعاياها من السودان، والذين تقدّر إحصاءات وزارة الخارجية عددهم بنحو 15 ألفاً، لم يتمكّن عدد كبير منهم من الوصول إلى السفارة أو التجمّع في النقاط المحدّدة، وهو الأمر الذي دفع المسؤولين عن العملية إلى التواصل مع قوات «الدعم السريع» من أجل تسهيل تنقّلهم، ولا سيما مع ازدياد المساحة السكنية التي تسيطر عليها هذه الأخيرة في الخرطوم. وإذ تلْقى القاهرة، إلى الآن، استجابةً من قِبَل جماعة «حميدتي»، فإن أيّ طائرات لم تقلّ مصريين من السودان منذ بداية الاشتباكات، باستثناء تلك التي نقلت الجنود المحتجَزين لدى «الدعم» بعد مفاوضات بمشاركة إماراتية.