بغداد | انقلاب داخل ائتلاف دولة القانون أطاح رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عن هرم السلطة في بغداد، حيث أُعلن تكليف القيادي في حزب الدعوة حيدر العبادي رئاسة الحكومة المقبلة. فبعدما كان شبه متأكد من اعتلائه عرش الحكومة للولاية الثالثة على التوالي، حصلت سلسلة انشقاقات داخل ائتلاف المالكي أدت إلى فقدانه الأغلبية وتحولها إلى التحالف الوطني، بل بلغ الأمر عن انشقاق حزب الدعوة الذي يتزعمه عنه، مفسحاً المجال أمام الرئيس فؤاد معصوم بتكليف شخصية أخرى لهذا المنصب.
تطورات أثارت غضب المالكي، وانصاره الذين نزلوا الى الشوارع لليوم الثاني على التوالي. وقال المالكي، في كلمة متلفزة، إنه «لا أثر ولا قيمة لهذا التكليف، لأنه خارج السياقات الدستورية والقانونية، وبدأ بجملة خروقات»، مشيراً إلى أن «ترشيحي ماضٍ، وأقول للجيش والشرطة أن يثبتوا في مواقعهم... ما حدث هو خرق وانتكاسة سنعالجه ونصححه». وأضاف أنه «كان الأجدر برئيس الجمهورية أن يراجع نفسه بدل المضي بالتكليف»، متهماً اياه بأنه «قال سيكلّف بتشكيل الحكومة ولتعمل المحكمة ما تعمل». وأكد أن «كل المعطيات الموجودة حالياً هي لمصالحنا، من عدد الأصوات وعدد المقاعد»، لافتاً إلى أن «دولة القانون لديها 103 مقاعد وأكثر من ثلاثة ملايين صوت».

توعّد عدد من
أعضاء مكتب المالكي
برد شديد على ما وصفوه بـ«المؤامرة»


كذلك، انتقد موقف الإدارة الأميركية من تكليف العبادي بتشكيل الحكومة الجديدة، معتبراً أنها وقفت بجانب من «خرق الدستور».
وبحلول ظهيرة أمس، الموعد النهائي دستورياً لتكليف رئيس للحكومة، أُميط اللثام عن مفاوضات دراماتيكية سرية، واتفاقات خلف الستار دون علم المالكي، أطاحته وسط ذهول وإحباط رفاقه ومعاونيه. وحملت الاتفاقات انشقاقاً مفاجئاً لقائمة حزب الدعوة الإسلامية، المنضوية تحت ائتلاف المالكي، والتي تضم قيادات الصف الأول في الحزب، برئاسة حيدر العبادي صاحبة الـ38 مقعداً برلمانياً، وكتلة مستقلون برئاسة حسين الشهرستاني ذات الـ12 نائباً، وانضمامهما إلى كتلة التحالف الوطني، بعد أن ورد خبر إعلان المحكمة الاتحادية كتلة دولة القانون الكتلة الأكبر، قبل أن تسارع المحكمة الى نفيه.
وترتب على ذلك إعلان التحالف الوطني الكتلة النيابية الأكبر، وصاحبة الحق في تشكيل الحكومة، بوصول عدد مقاعد التحالف الوطني إلى 127، متفوقاً على ائتلاف دولة القانون، بعد أن بلغ عدد مقاعده إثر انسحاب القائمتين 63 نائباً، بينهم 40 لكتلة منظمة بدر بزعامة هادي العامري، أحد أبرز حلفاء المالكي.
ودعا زعيم التحالف الوطني ابراهيم الجعفري صباح أمس، قادة التحالف إلى اجتماع استثنائي في منزله بالمنطقة الخضراء وسط بغداد، إثر تلقيه مؤشرات بانشقاق العبادي والشهرستاني من «دولة القانون».
وأفادت مصادر سياسية رفيعة لـ«الأخبار» عن إنجاز المفاوضات بسرعة فائقة، وتم إبلاغ الرئيس العراقي فؤاد معصوم بخيار «التحالف الوطني» ومجريات الاتفاقات، التي حملت بعض المناصب السيادية للمنشقين عن «دولة القانون».
وبينت المصادر أن «سليم الجبوري وفؤاد معصوم تسلما كتاباً من التحالف الوطني، يحمل وصول عدد أعضاء التحالف الوطني إلى 127 نائباً، موقّعاً من قبل قيادات القوائم المنضوية في التحالف، ودعوا معصوم إلى تكليف العبادي بتشكيل الحكومة».
وقالت المصادر إن «الجعفري كان قد انسحب من المفاوضات بعد ظهر أمس الأحد وأغلق هاتفه، وأبلغ قسم المراسم في مكتبه بعدم رغبته بأية زيارات، على خلفية رفض المالكي التنازل أو الاعتراف بالتحالف الوطني الكتلة البرلمانية الأكبر».
وشكّل نبأ تكليف العبادي برئاسة الحكومة صدمة شديدة للمالكي وأتباعه، إذ ظهر على فضائية «آفاق» الممولة من مكتب المالكي، عدد من مستشاري وأعضاء مكتب الأخير، اعتبروا ما حدث أنه «مؤامرة»، متوعدين بردّ شديد، بل ذهبت مستشارة رئيس الوزراء مريم الريس إلى أبعد من ذلك، حين قالت باللهجة العراقية: «سيكون دمها للركاب» في إشارة إلى انقلاب مسلّح.
ورفض العديد من أعضاء حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون الإدلاء بأي تصريحات، إلا أن أحد أعضاء حزب الدعوة رفض الكشف عن اسمه قال لـ«الأخبار»، إن «حيدر العبادي رسمياً وفي سجلات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، هو رئيس كتلة ائتلاف دولة القانون وليس المالكي، ويحق له التفاوض باسم كتلته دون العودة إلى المالكي».
وعرضت فضائيتا «العراقية» و«آفاق»، مؤتمراً صحافياً لأعضاء من «دولة القانون»، ألقاه عضو حزب الدعوة عبد الصمد خَلَف بحضور المالكي، وهو ما يحصل لأول مرة منذ انطلاق الدعاية الانتخابية، التي كان يتصدى فيها المالكي إلى كل الكلمات. وأكد البيان أن «العبادي يمثّل نفسه ولا يمثلنا ونحتفظ بحقنا القانوني ضد خرق الدستور، وإن ائتلاف دولة القانون لا يزال الكتلة الأكبر».
القصة الكاملة للمفاوضات الدراماتيكية السرية بدأت من رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي وانتهت إليه، عندما حاول جاهداً إقناع قيادات الصف الأول بترشيح شخصية بديلة للمالكي، وعدم مصارعة إرادة المرجعية الدينية في النجف، إذ تشير مصادر موثوقة في الحوزة العلمية لـ«الأخبار» إلى وجود مداولات سرية بين مكتب السيد علي السيستاني وعدد من رؤساء القوائم المنضوية تحت ائتلاف دولة القانون، انتهت بانشقاق 50 نائباً عن المالكي والانضمام إلى التحالف الوطني.
وأكدت المصادر أن «خطاب المالكي ليل أول أمس الأحد كان بمثابة الضوء الأخضر لبدء العبادي مفاوضاته مع زعيم التحالف الوطني ابراهيم الجعفري، إثر إعلان المالكي الوقوف بوجه جميع معارضيه، والمرجعية الدينية أيضاً».
في هذا الوقت، وخوفاً من أي انقسام أو تمرد في صفوف القوات الأمنية، حذرت الأمم المتحدة أمس على لسان ممثلها في العراق نيكولاي ميلادينوف، قوات الأمن العراقية من عرقلة الانتقال السياسي الجديد في العراق، في إشارة إلى احتمال دفع المالكي للقوات العسكرية الموالية له بترهيب الشارع وممارسة ضغوط على القيادات السياسية في البلد.
من جهته وفي أول تصريح له، دعا العبادي العراقيين إلى التوحد ضد الحملة الهمجية التي يشنها مسلحو «الدولة الإسلامية». وقال في تصريحات بثها التلفزيون الرسمي بعد لقائه بمعصوم، إن على الجميع أن يتعاون للوقوف ضد الحملة الإرهابية التي تشن على العراق وإيقاف كل الجماعات الإرهابية، مشدداً: «أنا عندي ثقة بشعبنا، نستطيع وقف هذه الهجمة الشرسة البربرية على العراق ونحمي الشعب العراقي ونوفر له الأرضية الصالحة».
الموقف الأميركي جاء مرحّباً بتعيين رئيس جديد للوزراء، حيث حيّا نائب الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مكالمة هاتفية مع معصوم، تسمية رئيس حكومة جديد للبلاد، الأمر الذي وصفه بـ«الخطوة الحاسمة» بعد أشهر من الجمود السياسي في بغداد.
كذلك فعل الرئيس الأميركي باراك أوباما، متمنياً انتقالاً سلمياً للسلطة مع تشكيل حكومة تمثل كافة مكونات المجتمع.
بدورها، قابلت إيران تكليف العبادي بنوع من الإيجابية، حيث أكد الرئیس الإیراني أن الحكومة القانونیة الجدیدة یجب تشكیلها بأسرع وقت ممكن، مضيفاً أن من المهم بالنسبة إلى إیران أن یتولی الشخص الذي یحظی بتأیید غالبیة نواب البرلمان العراقي السلطة، وأن یبدأ إجراءاته القانونیة.