بغداد | يشهدُ «تحالف إدارة الدولة» الحاكم في العراق حالة من عدم الانسجام، في ظلّ الخلافات المستمرّة بين أعضائه، ولا سيما بين رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، ورئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، في شأن تطبيق عدد من بنود الوثيقة المُتّفق عليها سابقاً بين الكتل السياسية الموالية، والتي على إثرها نالت حكومة السوداني الثقة. ومن بين تلك البنود تفعيل قانون العفو العام، وإخراج قوات «الحشد الشعبي» والجيش من المدن «السُّنّية» المحرّرة، وتضمين المناطق المتضرّرة من حرب العراق ضدّ تنظيم «داعش» في الموازنة المالية الاتحادية لعام 2023
تداولت وسائل إعلام محلّية ومنصّات تواصل اجتماعي، أخيراً، أنباء عن وجود خلافات بين رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، ورئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، أدّت إلى عرقلة الأخير إقرار مشروع الموازنة المالية في مجلس النواب إذا لم يتمّ إقرار قانون العفو العام قبل نهاية شهر رمضان، وذلك وفقاً للاتّفاق السياسي الذي على أساسه تشكّلت الحكومة الحالية. ويتضمّن المنهاج الوزاري الذي يتبنّاه السوداني جملة من الاتّفاقات مع «المكوّن السُّنّي» تحديداً، أبرزها إصدار قانون العفو العام، وإلغاء التدقيق الأمني في المحافظات الغربية والشمالية، والذي يُعتبر مصدر قلق للسكّان، وإرجاع نازحي ناحية جرف الصخر شمالي محافظة بابل، وفقاً لقيادات «سُنّية». وفي نهاية آب 2016، أقرّ مجلس النواب قانون العفو العام، بعد مطالبات مُلحّة من قِبَل قوى «سنّية» داخل البرلمان، إلّا أن كتلاً سياسية اعترضت على حذف بعض بنود وفقرات القانون المتعلّقة بمراجعة ملفّ المحكومين وظروف محاكمتهم. وخلال الفترة من عام 2006 إلى عام 2014، اعتُقل الآلاف، ولا سيما من المناطق التي كان يسيطر عليها الإرهاب، بالاستناد إلى وشايات من مخبرين سرّيين أو بانتزاع الاعترافات منهم تحت التعذيب، ومن ثمّ إدانتهم بالانتماء إلى خلايا «داعش».
وفي وقت يواجه فيه الحلبوسي اتّهامات من قِبَل شيوخ عشائر وقيادات سياسية «سُنّية» بالتفرّد بالسلطة على حساب المكوّنات السياسية المنافِسة له، بادر تحالف «السيادة»، وهو أكبر تكتّل سياسي «سُنّي»، ويُعدّ حزب «تقدم» بزعامة الحلبوسي جزءاً محورياً منه، على إثر عدم إدراج قانون العفو العام على جدول أعمال مجلس النوّاب، إلى مقاطعة جلسات البرلمان، بغرض تعطيل مشروع الموازنة الذي أرسلته الحكومة في منتصف شهر آذار الماضي. ومَنح الحلبوسي نفسه إجازة لمدّة 15 يوماً، وخوّل نائبه الأوّل إدارة الجلسات، ما فسّره مراقبون وبرلمانيون على أنه نتيجة خلافاته التي اشتدّت حديثاً مع السوداني وقوى «الإطار التنسيقي»، فيما نقلت منصّات إعلامية عن نوّاب قولهم إن «هناك حَراكاً برلمانياً لجمع تواقيع لإقالة الحلبوسي من رئاسة البرلمان».
تحالف «السيادة» قاطع جلسات الموازنة والحلبوسي أخذ إجازة


ويُرجِع النائب المستقلّ، باسم نغيمش، «الخلاف بين الحلبوسي والسوداني إلى أمرَين: الأوّل فنّي، يتعلّق بشكل الموازنة وتصميمها لمدّة ثلاث سنوات، وهذا ما يهمّش دور مجلس النواب، وكذلك الاعتراض على نسبة العجز المُقدَّرة سنوياً وهي 64 تريليون دينار عراقي (43 مليار دولار)؛ والثاني هو خلاف سياسي حول نقض حكومة الإطار التنسيقي للميثاق السياسي الذي أوصل السوداني إلى رئاسة الحكومة ومنها عدم إصدار العفو العام». ويضيف نغيمش، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «بعض الأطراف السياسية السنّية تريد المقايضة بين تمرير الموازنة والعفو العام». ويتّهم القيادي في «حزب تقدم»، كامل الغريري، من جهته، حكومة السوداني بأنها «لم تلتزم بشروط المكوّن السنّي، ومنها العفو العام وإخراج الحشد الشعبي من المناطق السنّية وعودة النازحين وغيرها من البنود التي تمّ الاتفاق عليها مسبقاً». ويستدرك الغريري، في حديث إلى «الأخبار»، بأن «ما حصل هو خلاف بالكلام»، وأنه «تمَّ التوصّل إلى اتّفاق يرضي جميع الأطراف، غير أن المطالبة ما زالت مستمرّة من القوى السنّية، وعلى رأسها حزب تقدم، بتنفيذ الورقة السياسية واحترامها من قِبَل حكومة السوداني».
أمّا الشيخ إياد الجبوري، وهو قيادي في تحالف «عزم»، فيشير إلى أن «الخلافات موجودة، لكن ليس كما أُشيع عنها في الإعلام»، موضحاً أن «مطالبنا نحن كمكوّن سنّي هي تطبيق العفو العام، لأن الكثير من أبناء السنّة زُجّ بهم في السجون من دون وجه حق وبتهم باطلة، وفي الوقت نفسه لا ننكر وجود مجرمين، وهذا عمل القضاء، هو الذي يحاسبهم وفق القانون». ويشدد الجبوري، في تصريح إلى «الأخبار»، على «وجوب أن تفي الحكومة بوعدها في تنفيذ البنود المتّفق عليها في الوثيقة السياسية»، معتبراً أن «الحلبوسي مُطالَب أيضاً بمتابعة أمر العفو العام مع الحكومة، فضلاً عن تضمين الحصص المالية للمتضرّرين من الحرب في المناطق السنّية في الموازنة». وينبّه إلى أن «دعمنا للسوداني كمكوّن سني هو لغرض حلّ مشاكلنا، وبالتالي، فما حدث أخيراً هو مشروع وقانوني، ولا نستطيع أن نسمّيه خلافاً مع السوداني والإطار التنسيقي».
في المقابل، يرى الشيخ أحمد الدليمي أن تصرّفات الحلبوسي لناحية عدم إقرار الموازنة «استفزازية، ولا داعي لإثارة الخلافات مع أيّ طرف في الوقت الحالي»، معتبراً أن «الفعاليات المرتبطة بإصدار العفو العام تأتي ضمن حملته الانتخابية»، كما يقول لـ«الأخبار». ويؤكد النائب في «الإطار التنسيقي»، معين الكاظمي، بدوره، أن «حكومة السوداني جادّة في تنفيذ جميع بنود الميثاق السياسي الذي اتّفقت عليه الكتل السياسية»، مضيفاً: «أنّنا ندعم العفو العام في البرلمان، لأنه سينُصف الكثير من الأبرياء، لكن يحتاج إلى تدقيق أكثر في فقراته». ويشير الكاظمي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الخلافات بسيطة»، مستدركاً بأنه «يُراد لها أن تنعكس على تمرير الموازنة، التي ثمّة مساعٍ وإرادة حقيقية لإقرارها خلال الأيام المقبلة».