الخرطوم | سلّمت اللجنة المختصّة بصياغة الاتفاق النهائي، مسوّدته، إلى أطراف العملية السياسية في السودان، والتي تشتمل على ستّة أجزاء، تتكوّن من الاتفاق السياسي المبني على «الاتفاق الإطاري»، مضافاً إليها بعض التفاصيل المتعلّقة بهياكل السلطة الانتقالية المدنيّة، فضلاً عن بروتوكولات القضايا الخمس التي جرى التوصّل إليها سابقاً. وكانت لافتةً مشاركة رئيس «مجلس السيادة»، عبد الفتاح البرهان، وترؤّسه اجتماع الأطراف الموقّعين على «الاتفاق الإطاري» الذي التأم مساء الأحد بمشاركة نائبه، قائد قوات «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حمديتي)، وعضو المجلس، الطاهر حجر، بالإضافة إلى ممثّلي القوى السياسية الموقّعة على «الإطاري»، وبحضور «الآلية الثلاثية» (الأمم المتحدة ومجموعة «إيقاد» و«الاتحاد الأفريقي»). وقال الناطق باسم العملية السياسية، خالد عمر، إن «لجنة الصياغة» اعتَمدت في صياغتها للمسوّدة، على مخرجات ورش العمل والمؤتمرات حول القضايا الأربع، وتحويلها من توصيات إلى اتّفاق، مشيراً إلى أن قضيّة الإصلاح الأمني والعسكري ستَعتمد على ورقة المبادئ والأُسس كمرحلة أولى، على أن تُستكمل الورقة استناداً على مخرجات ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي انطلقت في الخرطوم، صباح الأحد. وبرّر عمر الخطوة، بالالتزام بما جرى الاتفاق عليه وفق الجداول الزمنية، واستكمال مسوّدة الاتفاق بحلول اليوم، للتوقيع النهائي عليها.وتُعدّ قضيّة الإصلاح في المؤسسة العسكرية أحد أكبر التحديات وأعقدها، إذ إنها لا تعني، وفق مراقبين، مجرّد دمج المقاتلين التابعين للحركات المسلّحة، أو دمج «الدعم السريع» في هيكل واحد، بل أيضاً بناء جيش مهني، وخلْق عقيدة قتالية موحّدة للقوات المتباينة المقاتِلة في صفوفه، والتخلُّص من العناصر المحزّبة داخله. وفي هذا الجانب، أعرب البرهان عن رغبته في بناء قوات مسلحة «ملتزمة بمعايير الأنظمة الديموقراطية»، متحدّثاً، لدى مخاطبته المشاركين في الورشة، عن أهميّة الإلمام التامّ بقانون القوات المسلّحة، وكيفيّة استنباط العقيدة العسكرية حتى يتمّ وضْع أُسس يتشارك فيها الجميع لبناء قوات مسلّحة سودانية مهنيّة، بعيدة عن العمل السياسي. وأضاف البرهان: «يجب أن تضطلع القوات المسلّحة بمهامّ حماية الدولة، وصَوْن أمنها واستقرارها، وعدم الزج بها في أيّ معترك يخصّ الأمن الداخلي أو المشاركة في أيّ أعمال داخلية ما لم تَطلب الحكومة التنفيذية منها ذلك»، مؤكداً تالياً أنها ستكون «تحت إمرة» أيّ حكومة مدنيّة منتخَبة.
يعوّل البرهان على أن تفضي الورشة في النهاية إلى دمْج قوات «الدعم السريع» في القوات المسلّحة


وفي هذا الإطار، يفسّر مراقبون مشاركة البرهان في الورشة، ودعمه لها، بأن رئيس «السيادة» يعوّل على أن تفضي الورشة في النهاية إلى دمْج قوات «الدعم السريع» في القوات المسلّحة، ما سيعني تبعيّتها له بوصفه القائد العام للجيش، لا سيما وأن هذا الأخير يسعى منذ بعض الوقت إلى تفكيك هذا المكوّن بفعل تأييده العملية السياسية. لذا، يبدو أن من بين أهمّ أسباب التزام البرهان بالعملية السياسية، حتى الآن، أنها ستخلّصه من منافسه القوي، حمديتي، بعد دمْج قواته في الجيش. وعلى الرغم من تأكيد دقلو عملية الدمج، فهو ظلّ يردّد أنّ لـ«الدعم السريع» قانوناً تعمل استناداً إليه، وأن شرعيّة وجودها مكتسَبة بـ«قوّة القانون». لهذا، يقول محلّلون إن عملية دمْج «الدعم السريع» التي تأتي في صميم الإصلاح العسكري ربّما لن تكتمل إلّا بعد تكوين جهاز تشريعي منتخَب، وفي ظلّ حكومة منتخَبة. وبدا أن حميدتي يريد إبعاد الأجندة السياسية عن ملفّ الإصلاح الأمني والعسكري، موضحاً، لدى مخاطبته ورشة الإصلاح العسكري، أن «الإصلاح الأمني والعسكري ليس نشاطاً سياسياً، ويجب ألّا يخضع لأيّ أجندة سياسية، فهو عمل وطني مرتبط بالأهداف العليا للبلاد»، وطالب بأن «يخرج هذا البند من السجال السياسي، فلا سبيل لضوضاء الهتافات والشعارات في عملية فنية معقّدة وحسّاسة يجب أن تعالَج في الغرف المغلقة»، رابطاً أيضاً إصلاح المؤسسة العسكرية بإصلاح شامل لكلّ أجهزة الدولة.
وتأتي هذه التطورات، في ظلّ رفض «قوى المقاومة» وتحفُّظ بعض القوى السياسية والحركات المسلّحة على العملية السياسية. وفي هذا الإطار، دعا ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان، رئيس بعثة «يونيتامس»، بيرتس فولكر، إلى إبداء المزيد من المرونة لانضمام الرافضين إلى «الاتفاق الإطاري»، مؤكداً أن العملية السياسية تبقى عملية سودانية بحتة، وأن دور «الآلية الثلاثية» هو «الاستمرار في تسهيل العملية، والمساعدة في تعزيز المكاسب التي تحقّقت».