الخرطوم | نجحت جهود الوساطة في جمْع رئيس «مجلس السيادة» السوداني، عبد الفتاح البرهان، إلى نائبه، قائد قوّات «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بعد خلافات بَينيّة خرجت إلى العلن حول المسار السياسي الذي تخوضه البلاد. وخلال اللقاء الذي لعبت فيه القوى السياسية المُوقّعة على «الاتفاق الإطاري» دور الوسيط، اتّفق الرجلان على تشكيل لجنة أمنية مشتركة مؤلَّفة من القوات النظامية وأجهزة الدولة ذات الصلة، بالإضافة إلى الحركات المسلّحة، وعلى المضيّ قُدُماً في العملية السياسية، وفق الترتيبات الموضوعة. كما جرى أثناءه أيضاً، طرْح ملفّ إصلاح المؤسّسة العسكرية، ومباشرة الترتيبات لـ«إعادة هيكلتها»، لا سيما وأن البند الأخير يمثّل جزءاً من «الاتفاق الإطاري» المبرَم في كانون الأوّل الماضي، والذي نصّ على «الإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود إلى جيش مهني قومي ينأى بنفسه عن السياسة»، كما على «حظْر مزاولة القوّات النظامية للأعمال الاستثمارية والتجارية».وسبق لقاء القائدَين ومهّد له، بيان للجيش أكد «التزام القوات المسلّحة بالعملية السياسية»، و«تقيُّدها الصارم» بما جرى التوافق عليه في «الاتفاق الإطاري» الذي «سيفضي إلى توحيد المنظومة العسكرية»، و«قيام حكومة مدنيّة خلال ما تبقّى من المرحلة الانتقالية، إلى حين إجراء الانتخابات في نهايتها». واستوقفت هذه الفقرة من البيان المُشار إليه، المتابعين الذين تساءلوا عن ماهيّة الفترة الانتقالية، خصوصاً أن ما ورد يوحي بأن البرهان ربّما يَحسب مدّة انفراده بالسلطة منذ تشرين الأول عام 2021، ضمن «الانتقال» المحدَّد في الوثيقة الدستورية، والذي كان من المفترض أن يكتمل في كانون الثاني 2024، لولا انقلاب رئيس «السيادي» وإطاحته الحكومة المدنية. أمّا المدّة الانتقالية المنصوص عليها في «الإطاري»، فهي 24 شهراً تبدأ من تاريخ تعيين رئيس للوزراء.
كذلك، توقّف مراقبون عند توقيت البيان الذي أعقب تصريحات حميدتي أمام قوّاته، والتي نفى فيها وجود خلافات بين قوّاته والجيش كمؤسّسة، مشيراً إلى أن «الخلاف مع المتشبّثين بالسلطة»، أي قيادة الجيش. وعلى رغم ما تَقدّم، التزمت الأخيرة الصمت لمدّة أسبوع، قبل إصدار البيان المذكور، الذي لفتت فيه إلى أن القوّات المسلّحة هي التي بادرت إلى الخروج من العملية السياسية، معتبرةً أن «مزايدة البعض، والحديث عن عدم رغبة قيادة القوّات المسلّحة في إكمال مسيرة التحوّل الديموقراطي، محاولة مكشوفة للتكسّب السياسي لن تنطلي على فطنة الشعب السوداني». ومن جهته، رحّب «ائتلاف قوى الحريّة والتغيير» بالبيان الصادر عن الجيش، معلناً، وفق ما جاء على لسان القيادي فيه، ياسر عرمان، رفْضه أيّ اتّجاه نحو تشكيل حكومة تصريف أعمال، مؤكداً التمسُّك باستكمال العملية السياسية الحالية، التي ستنتهي بتشكيل حكومة مدنية تدير الفترة الانتقالية. كما أبدى عرمان اعتراضه على المقترحات الخاصّة بتنظيم انتخابات مبكّرة، لأن هذا سيعني، بحسبه، «إعادة إنتاج الشمولية».
ويرى مراقبون أن البيان المشترك، وإنْ تأخّر، فهو قد يسهم في ترميم الشرخ الذي أحدثتْه تصريحات قائد «الدعم السريع» ليس بين تشكيلات القوّات المسلّحة فحسب، بل أيضاً بين الجيش وقيادته، بعدما بعث حميدتي برسائل توحي بأن مَن يشعل فتيل الأزمة التي قد تؤدّي إلى صدام مسلّح، هي تلك القيادة نفسها. ويقول هؤلاء إن دقلو ربّما أراد، من التصريحات المُشار إليها، أن يبادر الجيش إلى عزْل قيادته بدعوى أنها تأخذ البلاد نحو مصير مجهول، على خلفيّة تمسُّكها بالسلطة. غير أن المحلّل السياسي، حاج حمد، يرى أن الخلاف بين رئيس «مجلس السيادة»، ونائبه، «افتعلتْه في الأساس المجموعة الرافضة للاتفاق الإطاري»، مضيفاً أنه «جرى تصعيده أيضاً من قِبَل بعض أعضاء المكوّن العسكري في مجلس السيادة، الرافضين للاتفاق، مِن مِثل الفريق شمس الدين كباشي، على اعتبار أن الجيش سيخسر في حال انسحب من العملية السياسية، بالإضافة إلى مناصرة قادته للحركات المسلّحة التي ستفقد امتيازاتها في حال تمّ تنفيذ "الإطاري"». ويضيف حمد، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الأطراف المتبنيّة لموقف ضدّ البرهان وحميدتي أسهمت أيضاً في إذكاء الخلاف بين الرَجلَين على وسائل الإعلام، لأن من مصلحة الثورة احتدام الصراع بينهما».
وعلى رغم التراشق الإعلامي والحرب الكلامية التي استمرّت على مدى ثلاثة أسابيع، يقول حمد إن مصلحة البرهان وحميدتي، وخصوصاً مصلحتهما الاقتصادية وإفلاتهما من العقاب على ارتكابهما مجزرة القيادة العامّة، «لن يتحقّقا إلّا من خلال استمرارهما والتزامهما بالاتفاق الإطاري الذي يعني ظاهريّاً انسحاب المؤسسة العسكرية من السلطة، ولكنه، في الباطن، يضمن لها التمتّع بالنفوذ الكافي لتوفير الحماية لهما». ولذا، يخلص إلى أنه «من الأفضل للرجلَين التخفّي وراء الاتفاق الذي سيوفّر لهما الحماية من العدالة الانتقالية في حال تحقَّقت»، فيما لا يستبعد أن يكون توقيع المكوّن العسكري على «الإطاري» من الأصل، نوعاً من «سياسة الإلهاء».