طرابلس | بعد أيّام من تنديد المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، أمام مجلس الأمن، بالمسؤولين الليبيين، على خلفيّة سعيهم إلى تعطيل العمليّة الانتخابية، عاد الحديث بين هؤلاء حول إمكانيّة تشكيل حكومة مصغّرة تكون مهمّتها إجراء الانتخابات فقط، وفي أسرع وقت. ومن المتوقّع أن يتحدّث باتيلي، خلال مؤتمره الصحافي المقبل، عن تصوّراته في شأن مسار العمليّة الانتخابية، وعن الحلّ التوافقي الذي يسعى إلى إقراره من خارج المؤسّسات الرسمية للدولة، في وقت يزداد فيه الخلاف بين رئيسَي مجلس النواب، عقيلة صالح، و«المجلس الأعلى للدولة»، خالد المشري، حول تفاصيل إتمام الاستحقاق. إذ شدّد المشري على ضرورة تشكيل حكومة مصغّرة تتولّى الإشراف على العملية الانتخابية، مقترحاً أيضاً تغيير «المفوضية العليا للانتخابات» قبيل إجراء الاقتراع، فيما تحدّث صالح عن أهميّة إتمام العملية استناداً إلى التعديل الدستوري الذي جرى إقراره أخيراً، ونُشر في الجريدة الرسمية. وحَدَّدت التعديلات الدستورية التي اعتُمدت من قِبَل المجلسَين، شكْل السلطة بعد الانتخابات المقبلة، وفيها اقتُرح تشكيل مجلسَيْن، أحدهما للنواب مقرّه في بنغازي، وآخر للشيوخ في العاصمة طرابلس، على أن يتولّى رئيس الجمهورية المنتخَب مباشرةً من الشعب، السلطة التنفيذية، ما يعني إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن، وعدم منْح حقّ انتخاب الرئيس لأعضاء أحد المجلسَين، كما اقترح بعض السياسيين في السابق. وعلى رغم وجود اتّفاق على تشكيل لجان قانونية يكون اختصاصها وضْع القوانين الخاصّة بالانتخابات، إلّا أنه يُنظر إلى تشكيل هذه اللجان باعتبارها خطوة لعرقلة المسار المقترَح من جانب المبعوث الأممي. وممّا يساهم في إبقاء التعقيدات كبيرة في المشهد، استمرار تمسّك عبد الحميد الدبيبة برئاسة الحكومة، وعدم وجود رؤية أو تصوّر لدى أيّ من الأطراف السياسيين حول تكوين الحكومة الانتقالية. وإذا كان البرلمان سيدفع في اتّجاه تولّي فتحي باشاغا، رئيس الحكومة الموازية، التي تسيطر على بنغازي، منصب رئيس الحكومة، فإن تلك الخطوة لن تكون مقبولة حتى من المبعوث الأممي نفسه، لِما تحمله من دلالة انتصار طرف على طرف آخر في الأزمة الدبلوماسية، فضلاً عن رفْض الدبيبة هذا السيناريو، حتى في ظلّ وجود ضغوط من أطراف إقليميين. ويرتبط جزء من الخلافات المُشار إليها، كذلك، بالتنازع على الصلاحيات بين مجلسَي النواب والدولة، وتمسُّك المشري بشروط واضحة ومحدَّدة في التعديلات القانونية المقترَحة على ضوابط خوض السباق، وفي مقدّمها حظْر ترشُّح العسكريين ومزدوجي الجنسية، وهو الأمر الذي يقصي أفراداً بعينهم، يرفض المشري وصولهم إلى السلطة، ولا سيما اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وإلى ما تَقدّم، فإن عدول الدبيبة عن تعهّده السابق بعدم خوض الانتخابات الرئاسية، بات أمراً محوريّاً في النقاشات الجارية في شأن إجراء العملية الانتخابية، وخاصّة مع استحالة القبول بإشراف حكومة «الوحدة» على إجراء الاستحقاق.لكن ما يجمع صالح والمشري في الوقت الحالي، على رغم الخلاف السياسي والتنافس الشديد بينهما، هو محاولتهما التخلُّص من الضغوط والاتهامات الدولية لهما بتعطيل المسار السياسي، وخاصّة في ظلّ التفاهمات الجاري العمل عليها في الملفّ العسكري. في المقابل، يخطّط باتيلي للإسراع في عقْد الاجتماع الخاص بالمصالحة تحت رعاية «الاتحاد الأفريقي»، والذي يؤمل بأن يكون فرصة لممارسة القبائل ضغوطها على السياسيين المتصارعين على السلطة، وبالتالي تسهيل الخروج من المأزق القائم والانقسام المستمرّ، عبر مسار يضْمن إجراء الانتخابات في نهاية المطاف، وليس مجرّد البدء بمرحلة انتقالية جديدة.