رام الله | تخطو حكومة بنيامين نتنياهو الفاشية خطوات واسعة ومتسارعة نحو ضمّ الضفة الغربية المحتلّة، عبر شرعنة 9 بؤر استيطانية، والمصادقة على بناء آلاف الوحدات الأخرى، مُعطِيةً بذلك الضوء الأخضر للسيطرة عنوةً على أراضي الفلسطينيين، وتصعيد الإرهاب المنظَّم ضدّهم، في ما يستهدف بالنتيجة تكريس أمر واقع يَصعب تجاوُزه مستقبلاً. وإذ لا يزال موقف «المجتمع الدولي» خجولاً حيال التغوّل الإسرائيلي، على رغم المواقف الرافضة والمندّدة والجلسة المنتظَرة لمجلس الأمن حول هذه القضية، فإن حكومة نتنياهو تبدو وكأنها لا تُلقي بالاً لكلّ تلك الاعتراضات، ماضيةً في جملة إجراءات وقرارات تصبّ جميعها في صالح المشروع الإحلالي، ومن بينها مثلاً إلغاء قانون «فكّ الارتباط»، والذي يعني إمكانية العودة إلى مستوطَنات جرى إخلاؤها سابقاً. ويأتي هذا التوحّش الاستيطاني في وقت يتعاظم فيه الانقسام الداخلي في دولة الاحتلال، وتتكاثر أدواته القذرة وغير السويّة، من دون أن يتّضح إلى الآن ما سيفضي إليه في نهاية المطاف، وإنْ كانت كلّ السيناريوات «السوداوية» واردة
بات المشروع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلّة قريباً من نقطة الذروة، في ظلّ سعي أساطينه إلى حسْم الصراع في اتّجاه تشكُّل نواة «دولة» مترابطة جغرافياً وذات مساحات «جيّدة»، بالاستناد إلى الإرث الذي جرى العمل عليه منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، والذي تسارعت وتيرة تعزيزه تحت جنْح «مفاوضات السلام» و«اتّفاق أوسلو». ويتصرّف المستوطنون في الضفة كعصابة متشعّبة ومنظّمة، فيما باتوا مسنودين الآن بجمعيات ونوّاب في «الكنيست» ووزراء في الحكومة، عملوا على إحداث نقلة نوعية في ذلك المشروع، ستترجَم قريباً على الأرض، بعدما نجح وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، في دفْع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر (الكابينيت) إلى تحويل 9 بؤر استيطانية عشوائية إلى مستوطنات قانونية، والمصادقة على مخطّطات لبناء ما يقرب من 10 آلاف وحدة إضافية. وبعدما امتنعت حكومات الاحتلال السابقة عن تشريع البؤر العشوائية نظراً إلى الموقف الدولي الرافض لهكذا خطوة، فإن حكومة بنيامين نتنياهو تجرّأت على خطوتها الأولى في هذا الطريق، والتي ستَتبعها خطوات أخرى، ليصل في النهاية عدد البؤر التي سيتمّ تحويلها إلى مستوطنات إلى قرابة 80.
ويشكّل قرار إقامة 9 مستوطنات جديدة معترَف بها، وتتلقّى تمويلاً رسمياً، وتكون قابلة للتوسيع على حساب أراضي الفلسطينيين، بداية مشروع الضمّ الفعلي للضفة، خاصة أن هذه العملية ستُرافقها السيطرة على آلاف الدونمات لتوفير البنية التحتية، وشقّ الشوارع. وبحسب تقديرات منظّمة «السلام الآن» الإسرائيلية، فإن ذلك القرار يعني المصادقة على ما يَقرب من 335 وحدة سكنية موزّعة على أكثر من 1100 دونم، بما فيها حوالى 420 دونماً من الأراضي الفلسطينية الخاصة. ولعلّ ما يعزّز خطورة الخطّة الإسرائيلية، هو أن البؤر الاستيطانية تنشأ دائماً بالقوّة، وبالتالي فإن شرعنتها ستؤدّي إلى تفاقُم هذه الظاهرة، مع ما يعنيه هذا من مصادرة لأراضي الفلسطينيين أو محاصرة لها بالبؤر العشوائية وحرمانٍ لأصحابها من الوصول إليها، وأيضاً تصاعُدٍ لإرهاب المستوطِنين ضدّ الفلسطينيين. ومن هنا، نبّهت «السلام الآن» إلى أن «الهدف من إقامة مستوطَنات أو بؤر استيطانية جديدة هو إرساء الحقائق على الأرض، والسيطرة على الأراضي الفلسطينية من أجل منْع إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل»، موضحةً أن «الغالبية العظمى من البؤر تقع في عمْق الضفة، وتضمّ مساحات كبيرة من الأراضي في منطقة ستكون، في أيّ اتّفاق مستقبلي، جزءاً من الدولة الفلسطينية».
تُرافق قانونَ تشريع البؤر الاستيطانية جملةُ خطوات تصبّ جميعها في خانة المشروع الإحلالي


وتُرافق قانونَ تشريع البؤر الاستيطانية جملةُ خطوات تصبّ جميعها في خانة المشروع الإحلالي، ومن بينها مصادقة لجنة وزارية حكومية لشؤون التشريع، على مشروع لإلغاء «قانون فكّ الارتباط» لعام 2005، والذي تمّ بموجبه الانسحاب من مستوطنات في الضفة وقطاع غزة، وهو ما يعني العودة إلى عدد منها (لا يقلّ عن 4)، علماً أن هذا الاقتراح بات على أبواب «الكنيست»، وإذا ما جرت المصادقة عليه كما هو متوقَّع، فإنه سيصبح نافذاً مباشرة. وتشير التقديرات الفلسطينية إلى أن ثمّة في الضفة 176 مستوطَنة، وأكثر من 180 بؤرة عشوائية، ونحو 50 بؤرة رعَوية تنتمي إلى أسلوب جديد من الاستيطان بدأ يتنامى في السنوات الأخيرة، ويتمثّل في قيام مستوطِن برعي الماشية في أيّ أرض فلسطينية لأيام عدّة، ليبدأ من ثمّ وضْع اليد عليها تحت حماية الجيش. وسيشكّل تشريع تلك البؤر قوّة دافعة كبرى للمشروع الاستيطاني، بالنظر إلى أنه يعني ولادة 180 مستوطَنة جديدة، أي أكثر من عدد المستوطَنات المقامة منذ احتلال الضفة، فضلاً عن تخصيص موازنات مالية كبيرة لصالحها وتوفير الخدمات الأساسية لها، والأهمّ من ذلك تقوية عصابات المستوطِنين، وعلى رأسها «تدفيع الثمن» التي تتّخذ من عدد من البؤر مقرّاً لها، وبالتالي انفتاح شهيّة هؤلاء على ابتلاع المزيد من أراضي الفلسطينيين، وتحفُّزهم للقيام بالمزيد من أعمال الإرهاب. وما يعزّز حظوظ السيناريو المتقّدم، هو سعي بن غفير إلى تسهيل منْح المستوطِنين رُخصاً قانونية لحمل السلاح، الذي سيكون بالضرورة مُوجّهاً نحو الفلسطينيين، فضلاً عن اشتغاله لتعزيز قوّتهم السياسية، وتثبيت سيطرتهم على مقاليد الحُكم مُمثّلين في أحزاب «الصهيونية الدينية».
وفي الوقت الذي استجلب فيه قرار تشريع البؤر الاستيطانية رفضاً دولياً، وأثار مخاوف من أن يؤدّي إلى تفجير الأوضاع، ودفَع إلى طرح مشروع مناهض له أمام مجلس الأمن الدولي سيَجري بحْثه خلال الأيام المقبلة، فإن هذا الرفض لا يَلقى، على ما يبدو، اهتماماً لدى بنيامين نتنياهو وحكومته، التي تعمل على مسارات مختلفة من أجل طمس القضية الفلسطينية. فإلى جانب تسريع عمليات الإحلال في الضفة، تسعى حكومة الفاشيين إلى تضييق الخناق على فلسطينيّي الداخل المحتلّ والقدس، عبر إصدارها قانون سحْب الإقامة أو الهويّة من الفلسطينيّين الذين يقومون بأيّ أعمال فدائية ويَجري اعتقالهم، وتتلقّى عائلاتهم مقابلاً مالياً من السلطة الفلسطينية، وهو ما سيؤثّر على مئات الفلسطينيين في القدس الشرقية والعشرات داخل «الخطّ الأخضر». كذلك، يخوض قادة «الصهيونية الدينية»، الآن، بقيادة بتسلئيل سموتريتش، معركة تفكيك «الإدارة المدنية» وهو التوجّه الذي تُعارضه الأوساط الأمنية الإسرائيلية.
وتأسّست الإدارة المذكورة بقرار من «الكابينت» عام 1981، بعد أن كانت الضفة الغربية منذ احتلالها عام 1967 تخضع لإدارة عسكرية بحتة. ويقود «المدنيةَ» ضبّاط عسكريون وعناصر من أجهزة أمنية مختلفة، وهي مَن تتولّى مسؤولية إدارة شؤون المستوطنين في الضفة، وهو ما لم يَعُد يروق المستوطِنين. وبحسب قراءة لـ«المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية» (مدار)، فإن برنامج سموتيرتش الانتخابي تضمّن بشكل أساسي إنهاء هذه الإدارة، حيث دأب على التعهّد بـ«(أنّنا) سنقدّم تشريعات لإلغاء الإدارة المدنية في يهودا والسامرة، ونقْل صلاحياتها الكاملة إلى الوزارات الحكومية في إسرائيل. يتعلّق الأمر بتصحيح الظلم، سواءً في جوانب حقوق المستوطِنين أو الخدمة الحكومية التي من المفترض أن تُوفّرها لهم الدولة. وفي الجانب الاستراتيجي، إقامة وتأميم السيطرة الإسرائيلية على الأرض، وليس من خلال حكومة عسكرية مؤقّتة». ويعني ما تَقدّم، في حال تَحقّقه، خطوة كبرى إضافية على طريق ضمّ الضفة، والتعامل مع جميع المستوطنات هناك كما يجري التعامل مع أيّ «مدينة» في دولة الاحتلال، أي أنها ستكون من مسؤولية الحكومة ووزاراتها، وليس من مسؤولية إدارة مدنية وعسكرية مؤقّتة.