في المرة الماضية، مهدت إسرائيل لقصف مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» بإخطارها في مخيم المغازي، وسط قطاع غزة، بضرورة إخلاء النازحين منها، الذين ما لبثوا أن هربوا من أربع مدارس حتى استهدفتها طائرات الاحتلال (راجع العدد ٢٣٥١ الأربعاء ٢٣ تموز ٢٠١٤). أمس تكرر المشهد في بيت حانون (شمال)، لكن الإسرائيليين لم يبلغوا أحداً فقتلوا أطفالاً ونساءً ومعهم موظفون من «الأونروا».
خمسة عشر شهيداً وأكثر من 200 جريح لم تستوعبهم مستشفيات الشمال ومدينة غزة المرهقة بآلاف الجرحى والشهداء منذ 19 يوماً. يمكن فهم المجزرة إذا نظرنا إلى صورة جمعت جثة لرضيع في شهره الأول وهو في حضن والدته في مستشفى قرب بيت حانون.
المؤسسة الدولية أكدت على لسان متحدث باسمها هو كريس غونيس، عبر «تويتر»، أن هناك «عدداً من القتلى والجرحى» في المدرسة، مع أنه «تم إرسال الإحداثيات الدقيقة لهذا الملجأ في بيت حانون رسمياً إلى الجيش الإسرائيلي». وقال غونيس: «أمضينا قسماً كبيراً من النهار نتفاوض لوقف النار... كنا نريد إخلاء الملجأ لأن معارك كانت تدور قرب المدرسة».

أطلقت سرايا القدس 115
صاروخاً دفعة واحدة على عدد من المدن المحتلة

وما لبث الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أن أعلن مقتل عدد من موظفي الأمم المتحدة في الهجوم على المدرسة، مستنكراً «بشدة» هذا الهجوم، ومعرباً في الوقت نفسه عن «استيائه» من هذا الهجوم «الذي لم تتضح ظروفه بعد».
بان هو نفسه الذي عبّر قبلها بيوم عن «جزعه وغضبه» لوضع صواريخ في مدرسة تابعة للوكالة في غزة، مع أن وزارة الداخلية في القطاع، نفت على لسان المتحدث باسمها إياد البزم، اكتشاف «أي عتاد عسكري» في مدارس «الأونروا»، بل طالبت بفتح تحقيق رسمي والسماح لها بالوصول إلى تلك المدرسة. ولفتت الداخلية إلى أن «الأونروا» رفضت التعاون في هذا الصدد، مؤكدة أن «المقاومة لا تحتاج إلى استخدام المدارس لتخزين السلاح، لكن هذا الاتهام فبركة لتبرير استهداف المدنيين وإيجاد غطاء للجرائم التي ترتكبها إسرائيل».
وكان الأمين العام للأمم قد قال في بيان رسمي أول من أمس: «أشعر بالغضب والأسف لوضع أسلحة في مدرسة تديرها الأمم المتحدة، لأن المسؤولين عن هذا الأمر يحولون المدارس، بفعلتهم هذه، إلى أهداف عسكرية محتملة، ويعرضون حياة الأطفال الأبرياء وموظفي الأمم، وأي شخص يلتجئ إلى هذه المدارس للخطر». وهي الحجة نفسها التي استخدمها الجيش الإسرائيلي الذي قال إنه سيفتح تحقيقاً «في هذه المأساة»، مضيفاً إنه لا يستبعد إقدام مقاتلين من حركة «حماس» على إطلاق الصواريخ بجوار المدرسة.
وتعليقاً على ذلك، أعربت الولايات المتحدة عن «حزنها» لقصف المدرسة. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، جنيفر بساكي، من القاهرة حيث يواصل الوزير جون كيري جهوده من أجل وقف الحرب، إننا «نعرب عن حزننا العميق وقلقنا حيال هذا الحادث المأسوي، ونحض مجدداً جميع الأطراف على مضاعفة جهودهم لحماية المدنيين». ولم توجه بساكي أصابع الاتهام مباشرة إلى إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه لمحت إلى «حماس»، منددة بـ«تخزين الأسلحة داخل مبان تابعة للأمم المتحدة».
المقاومة كان لها ردها على هذه الجريمة، إذ أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء أمس أنها أطلقت عملية «كسر الحصار» التي تضمنت قصف أهداف صهيونية بـ 115 صاروخاً من أنواع مختلفة ضمن معركة «البنيان المرصوص». وقالت السرايا إنها قصفت مدن تل أبيب وأسدود وبئر السبع وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة بعشرات الصواريخ من أنواع مختلفة رداً على حصار بيت حانون (شمال) وحي الشجاعية (شرق) وخزاعة (جنوب) وتشريد المدنيين العزل من منازلهم. كما أكدت أنها قتلت 4 جنود إسرائيليين في كمين محكم لقوة راجلة شرق الشجاعية، متوعدة برد قوي «لن يطول» على «مجزرة بيت حانون».
أما كتائب القسام فأعلنت أن مقاوميها تمكنوا من تنفيذ عملية تسلل خلف الآليات العسكرية شرق منطقة التفاح (شرق) «وأجهزوا على ثمانية جنود من مسافة صفر». وقالت الكتائب إنه في تمام الساعة السادسة من صباح أمس، جرت عملية التسلل «كما دمر عناصرنا ناقلة جند من نوع شيزاريت بقذيفة RPG 29».
وذكرت في الوقت نفسه أنها «أحصت حتى اليوم أكثر من 65 ضابطاً وجندياً قتلى في المواجهات المباشرة مع القسام منذ بدء الحرب البرّية، بينهم ضباطٌ كبار». وسرعان ما أكدت «القسام» أنها أطلقت صاروخ R160 باتجاه مدينة حيفا، مع الإشارة إلى أن المقاومة واصلت قصفها منذ نهار أمس على المدن المحتلة وفق المتوسط اليومي.
وبشأن مجزرة خزاعة في خان يونس، فقد تضاربت المصادر الطبية والإعلامية وشهود العيان بشأن أرقام الشهداء. فبين إفادات تقول إن عدد الشهداء هو 70، وأخرى تقول إنه مئة، ما يمكن التحقق منه، وفق الشهود، وجود ثلاثين جثة لم تنتشل بعد، فيما بقيت البلدة محاصرة. وأفيد عن اعتقال الاحتلال عشرات من سكان البلدة ممن أعمارهم فوق 16 سنة ونقلهم إلى موقع صوفا العسكري، كما جرى تأكيد توقيف سيارة إسعاف فلسطينية واعتقال مصابين ومسعفين بداخلها. وشيئاً فشيئاً، بدت تتكشف طبيعة المجازر المرتكبة في ما يشبه ما جرى في حي الشجاعية قبل أيام، إذ تعمد الاحتلال استهداف منازل تجمع فيها المواطنون للاحتماء من القصف.
وعن إحصائية ضحايا الحرب، فقد ارتفع عدد الشهداء، وفق وزارة الصحة في غزة، إلى أكثر من 800 وعدد الجرحى الى 5170 حتى منتصف الليل، علماً بأنه استشهد أمس 115 مواطناً، فيما وصل عدد الجرحى إلى 600 خلال اليوم نفسه من دون احتساب العدد الحقيقي لشهداء مجزرة خزاعة. وبالنسبة إلى النازحين، أحصت «الأونروا» مغادرة 110 آلاف غزي، من أصل 1,8 مليون، منازلهم منذ بدء العدوان.
المتحدث باسم الوزارة، أشرف القدرة، لفت في استعراضه اليومي لأسماء الشهداء وطبيعة الإصابات الواصلة إلى المستشفيات الى استمرار الاعتداء على المرافق الطبية، ذاكراً أن الطفل إبراهيم الشيخ عمر البالغ من العمر سنتين ونصف سنة استشهد وهو يرقد في قسم العناية المركزة وتحت جهاز التنفس الاصطناعي «لكن الاستهداف المركز في محيط مستشفى الشهيد محمد الدرة للأطفال أدى إلى تصدعات كبيرة وكاملة في الجدران وتطاير النوافذ وارتفاع ألسنة النيران جراء القصف، ما أدى إلى دخول الدخان الكثيف إلى الأقسام واستشهاد الطفل على سريره، إضافة الى إصابة 30 آخرين بجراح مختلفة».
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)