عمّان | بعد غياب ستة عشر يوماً عن عمان، عاد الملك عبدالله الثاني وولي عهده وزوجته إلى المملكة بعد رحلة إلى الولايات المتحدة الأميركية، قيل إنها كانت إجازة ملكية جرى استغلالها لإجراء لقاءات مع عدد من المسؤولين الأميركيين، ومنهم نائب الرئيس الأميركي جو بايدن.
لكن الغياب كان غير مبرر، وفق معارضين أردنيين، معللين ذلك بأن ما يشهده الأردن ومحيطه «يحتاج إلى موقف ديبلوماسي واضح من مؤسسة القرار»، إضافة إلى أن غياب الملك وولي عهده جاء في ظلّ التهديدات التي تواجه البلاد والمنطقة بصورةٍ عامة، وهذا «لا يقبله الشعب الأردني»، على حدّ تعبيرهم.
يعيش الأردن اليوم حالة من الترقب والخوف، بسبب ما يجري في محيط بات الأخطر في العالم. من الجبهة الشرقية (العراق)، يتهدد المملكة خطر «الدولة الإسلامية» بالتزامن مع تدفق أعداد من النازحين العراقيين إلى البلاد، وسحب بغداد سفيرها من عمان، بعد المؤتمر الذي احتضنته الأخيرة لدعم «المعارضين العراقيين».
في سوريا شمالاً، يرى هؤلاء أن الملك لم يتخذ الموقف المناسب من الأخطار التي تهدد الأردن وشعبه منذ ثلاث سنوات. أما بالنسبة إلى فلسطين، فإن موقف الأردن تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة لا يعبّر عن إرادة الشعب الأردني، خصوصاً أن بيان التنديد الملكي جاء متأخراً، على حدّ تعبيرهم.
كذلك تساءل آخرون عمن يقود البلاد أثناء غياب الملك، خصوصاً أن الأمير حسين الذي أقسم اليمين الدستورية، «لا نرى أي وجود له في هذه الأوقات المحرجة التي يمر بها الأردن والمحيط»، فيما يرى بعضهم أن من يقود المملكة هو الحكومة الثانية للدولة، أي «الديوان الملكي والاستخبارات العامة».
وارتفعت حدة انتقاد المعارضين الأردنيين وتنديدهم بموقف بلادهم من العدوان على غزة، بعد كلمة القائم بأعمال البعثة الأردنية في نيويورك محمود الحمود أمام مجلس الأمن، خلال الجلسة المفتوحة التي جرت فيها مناقشة الوضع في غزة، حين قال إن «الأردن يرفض ويدين هذا العدوان الهمجي على قطاع غزة، وليس أقله المجزرة المروعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في حي الشجاعية، ويشجب الأردن الاستخدام غير المتناسب وغير المبرر للقوة المفرطة الذي لا علاقة له من قريب أو بعيد بحق الدفاع عن النفس».
واتنقد رئيس اللجنة السياسية في «التجمع الشعبي للإصلاح»، أنيس الخصاونة، ما اعتبره «تنديداً غير مقنع»، وقال في حديثٍ مع «الأخبار» إن الأردن ليس طرفاً وسيطاً في العدوان الاسرائيلي على غزة، مؤكداً أن بلاده طرف في هذه القضية، «لذا يجب أن يكون الرد مختلفاً تماماً».
ويشير الخصاونة إلى أنه مع وجود 48% من مكون الشعب الأردني من أصول فلسطينية، «لذلك من المتوقع أن تكون هناك شرارة داخل البلاد»، مضيفاً أن «غياب عبدالله منذ الرابع من رمضان حتى أول من أمس هو فعلياً غياب الدبلوماسية الأردنية».
هذا الكلام انسجم مع موقف المعارض الأردني ليث شبيلات الذي وجه رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء، طالبه فيها بإصدار تصريح رسمي يعلن فيه سبب غياب الملك ووضعه الصحي.
وأشار شبيلات في رسالة نشرها على صفحته الرسمية على موقع «فايسبوك»، وحملت نقداً قاسياً للحكم في الأردن لكون الأردنيين لم يسمعوا من الملك «أي كلمة منذ تسعة أيام حتى بدأ الناس يتناقلون الإشاعات عن هذا الغياب»، مشيراً إلى إشاعات تتحدث عن إصابة الملك في حادث أثناء قيادته دراجة في الولايات المتحدة.
وجاء في رسالة شبيلات «منذ أكثر من تسعة أيام والملك غائب وهو لا يعلن إذا كان في إجازة أو في عمل». كذلك انتقد شبيلات استجمام الملك في أميركا من أموال الأردنيين في وقتٍ يعتدي فيه الإسرائيليون على غزة.
من جهته، يرى المحلل السياسي، محمود أبو هلال، أن غياب عبدالله يأتي من ضمن منظومة الدول العربية التي باتت تعدّ ما يجري في غزة شيئاً ثانوياً لا يستحق الاهتمام. والدليل على ذلك أن الزعماء العرب لم يستنكروا ما يجري في فلسطين لعدم التقرب إلى المقاومة في غزة.
وأوضحت مصادر أن الملك وولي العهد وزوجته وصلوا عمان مساء أول من أمس، بعد ارتفاع الأصوات التي طالبت بوجود دور فعلي للملك. وفي اليوم نفسه طالب عبدالله في اجتماع مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في قصر الحسينية في عمان، بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على غزة، فيما شارك ولي العهد شباباً أردنيين في تسيير قافلة مساعدات محملة بالمواد الغذائية والطبية، لمصلحة الفلسطينيين في غزة.
تأخير ردّ الفعل الرسمي الأردني تجاه العدوان على غزة، أعاد الحديث عن الملكية الدستورية التي طالبت بها المعارضة حينما كانت تطالب بتحويل النظام إلى ملكي دستوري ليكون بدايةً للإصلاح، في حين لم ينفذ هذا الأمر حتى اللحظة، رغم بدء العمل به قبل ثلاث سنوات.
تجدر الإشارة إلى أن عبدالله الثاني عقد أمس لقاءً مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في اجتماع استثنائي في العاصمة الأردنية، لبحث تطورات العدوان على غزة.