بغداد | أثارت لقاءات السفيرة الأميركية لدى بغداد، آلينا رومانوسكي، مع قيادات ومسؤولين عراقيين مقرّبين من فصائل المقاومة و«الحشد الشعبي»، جدلاً واسعاً داخل «الإطار التنسيقي»، وسط اتّهامات من بعض المسؤولين لحكومة محمد شياع السوداني بأنها جاءت بمباركة واشنطن. ويرى أوس الخفاجي، وهو قائد سابق لـ«قوات أبو الفضل العباس» القتالية التابعة لـ«هيئة الحشد»، أن «ثمّة شخصيات سياسية تنتمي إلى الأخير، تلحّ على السوداني لكي يذهب إلى أميركا لتسوية الأمور وتسيير عجلة الحكومة، لأن هذه الأخيرة إنْ فشلت فهي تُعتبر آخر حكومة إطارية». ويَلفت الخفاجي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الشهيد أبو مهدي المهندس كان رافضاً لدخول الحشد في العملية السياسية، التي من متطلّباتها الجلوس مع الخصم»، مستدركاً بأن «قادة الحشد جلسوا مع كثير من خصوم الحشد وخصوم أبو مهدي نفسه»، مضيفاً أنه «من الطبيعي أن تخبو نار المقاومة» بعد ذاك. ويَعتبر الخفاجي أن «أيّ مقاوم لا يحق له أن يقول أنا مقاوم إذا دخل في العملية السياسية»، مشدّداً على أن «المقاومة جزء لا يتجزّأ من الموقف الشرعي»، وأن «أيّ محاولة للالتفاف على هذا الموقف تُعتبر خروجاً على خطّ الشرعية والمقاومة».
لقاءات السفيرة الأميركية مع مسؤولين عراقيين تثير جدلاً واسعاً (أ ف ب)

في المقابل، يصف النائب عن «التنسيقي»، علي تركي، الحكومة بأنها «حكومة مقاومة»، معتبراً أن «المقاومة أصبحت تمثّل وجهة نظر العراق الرسمية، وهي مَن تدير دفّة الأمور اليوم». ويرى أن «الجلوس مع أميركا لغرض تبادل المصالح هذا لا ضير فيه»، مستدركاً، في تصريح إلى «الأخبار»، بـ«(أننا) لا نرضى بأن تكون هنالك تبعية لأيّ جهة، أو أن نُحسب كحديقة خلفية لأميركا أو غيرها من الدول». ويشير إلى أن «القوّات الأميركية الموجودة في العراق اليوم هي لتدريب القوات الأمنية»، مضيفاً «(أنّنا) نسعى إلى جعل العلاقة مع أميركا علاقة شراكة ومصالح». وحول وجود ضغط أميركي خلْف منْع خروج تظاهرة مليونية لأنصار «الحشد الشعبي» لإحياء الذكرى السنوية الثالثة لاغتيال قائد «قوّة القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، ينفي عضو «التنسيقي» صحّة ذلك، عازياً الأمر إلى «سوء الأحوال الجوّية». وكان تداوَل بعض المدوّنين على مواقع التواصل الاجتماعي، خبراً مفاده أن الإدارة الأميركية اشترطت على السوداني عدم السماح لـ«الحشد» بتنظيم تلك التظاهرة أمام سفارة واشنطن في بغداد، مقابل دعم حكومته بشكل كامل.
من جهته، يرى النائب في البرلمان، سجاد سالم، أن «حركات المقاومة في العراق تتعكّز على النموذج اللبناني في مقاومة الكيان الصهيوني، والذي لا يمتّ إلى الواقع العراقي بصلة في النشأة والسياق والظروف»، معتبراً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «كلّ الشعارات التي صاغتْها هذه الأحزاب تهاوت في حدثَين: الأوّل، التظاهرات الشعبية التي كانت موجَّهة بالأساس ضدّها؛ والثاني، اللحظة الحالية التي تسلّمت فيها الحُكم بشكل مباشر بعد انسحاب التيّار الصدري». ويعتقد سالم أن «جميع الحركات السياسية المتّهَمة بالقتل والفساد، شرْط نجاتها من الثورات هو خضوعها للعامل الدولي، وفي حالة العراق خضوعها للسياسة الأميركية بشكل مباشر، وهذا ما يفسّر تنازلها عن الشعارات المعهودة في مناسباتها، وخاصة التي تتصادم بشكل مباشر مع الولايات المتحدة». غير أن أستاذ العلوم السياسية، طارق الزبيدي، يستبعد وجود علاقات بين شخصيات تابعة لـ«الحشد» وفصائل المقاومة وبين الأميركيين «بشكل يسيء إلى العراق». ويقول لـ«الأخبار»: «صحيح أن الولايات المتحدة تبعث في بعض الأحيان برسائل عن طريق سفيرتها إلى رئيس الوزراء، لكن ليس بالضرورة أن تتمّ الموافقة على كلّ طلباتها، بل قد تُرفض في بعض الأحيان». ويرى أن «الولايات المتحدة تحاول قدْر المستطاع أن تكسب أكبر عدد ممكن من النّواب لغرض التماهي مع سياستها في المنطقة»، مستدركاً بأن «هناك شبه إجماع على رفض تلك السياسات وخاصة في العراق».
يرى البعض أن الفصائل تعمل على تدعيم نفوذها السلطوي والسياسي خلال هذه المرحلة


وفي اتّجاه قريب، يصف الباحث في الشأن السياسي، نبيل العلي، مواقف الحكومة الحالية بأنها «براغماتية وضرورية»، معتبراً أن «قوى المقاومة تعمل على تدعيم نفوذها المالي والسلطوي والسياسي خلال هذه المرحلة، على أمل تجنّب سيناريو وقوعها مرّة أخرى في عزلة سياسية، كتلك التي أعقبت إجراء انتخابات سنة 2021 والتي انحسر فيها نفوذها السياسي إثر فوز قوى مناهضة لها». ويلفت العلي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الإطار التنسيقي يتكوّن من قوى مختلفة في وجهات نظرها إزاء التعامل مع الخارج، خصوصاً مع الولايات المتحدة؛ فمنها أحزاب كلاسيكية تولّت العديد من مفاصل الدولة والحُكم خلال العقدَين الماضيين وتواصلت مع القوى العسكرية والمدنية الأميركية الحاكمة، وهناك قوى أخرى تشكّلت بعد عام 2014 وهزيمة داعش واستطاعت أن تفرض نفسها سياسياً، وهي طالما اشتُهرت بمناهضتها للأميركيين»، مضيفاً أن «هناك قسماً ثالثاً تشكّل بدواعٍ براغماتية خاصة بالمرحلة الحالية، على إثر انشقاقات حزبية، وهذا له وجهات نظر مختلفة أيضاً».