غزة | «كأنه ينقص غزة وأهالي الشهداء المزيد من المآسي ليعيشوا مأساة أخرى هي إيجاد قبور لدفن أقربائهم»، بهذه العبارة يشكو محمد الأطبش الذي رافق صديقه محمد البهار، وهما من حي الشجاعية، رحلة البحث من أجل إيجاد قبور لدفن أفراد عائلة بهار الذين استشهدوا في مجزرة الحي. رافق الأطبش صديقه وتنقلا بين مقابر مدينة غزة وشمال القطاع.
ثلاثة أيام هي المدة التي استمرت فيها عملية البحث عن مساحة صغيرة لدفن الشهداء، فأغلب «الجبّانات» مكدسة بالأموات، ولا مجال لدفن «سكان جدد». لا تنحصر الأزمة في إيجاد مكان للدفن، لكن توجد أيضاً مقابر ممنوع الاقتراب منها، كمقبرة الشهداء على الحدود الشرقية لمدينة غزة، وذلك خوفاً من التعرض للقصف من قوات الاحتلال المتمركزة هناك.
يقول الأطبش لـ«الأخبار»: «لم يعد ألم فراق الأحباب أو فقد عائلة بأكملها في مجزرة إسرائيلية هو الأشد على الإنسان، فالقهر الأشد حين لا يجد أهل الفقيد تربة لدفن جثث شهدائهم، فيضطرون إلى البحث لأيام حتى إيجاد قطعة أرض، فأغلب المقابر مكتظة بالأموات». الحل لهذه الأزمة بالنسبة إلى عائلة بهار كان توزيع جثث شهدائهم. هنا يضيف ابن العائلة محمد: «لم نجد سبيلاً سوى دفن والدي وأعمامي في قبور أجدادهم، أما الباقون فدفناهم في قبر جماعي». ويرى حراس المقابر ضرورة افتتاح مقابر جديدة، لأن وضع الحالية لا يحتمل تزايد عدد الشهداء. أما المقبرة الشرقية، أو ما تعرف بمقبرة الشهداء، فهي أكبر مقبرة تضم شهداء الحروب الإسرائيلية على غزة. في الوقت نفسه لا يمكن لأحد الوصول إليها في ظل الأوضاع الحالية، لأنها تقع على الحدود الشرقية، ويعتبرها العدو الاسرائيلي منطقة عسكرية.

يدفن الشهداء في قبور سابقة
لذويهم والعائلات في مقابر جماعية

يقول حارس المقبرة الشرقية عيد الأشقر إن «المقابر تعاني من أوضاع صعبة بسبب ازدياد أعداد الشهداء، خصوصاً بعد ثلاث حروب شهدتها غزة، لذلك من الضروري افتتاح مقابر جديدة في القطاع». ويضيف: «تفتقر المقابر إلى مواد البناء الخاصة بإنشاء القبور، ما يضطر أهل الفقيد إلى تغطية القبر بألواح الخشب بدلاً من الاسمنت حتى تنتهي الحرب ويحاولون توفير مواد بناء لاحقاً لإغلاقها». أما عائلة عبد الستار المدهون، فلجأت إلى طريقة أخرى لبناء القبر، عبر وضع ألواح من «الزينكو». ويقول أحد أفراد العائلة: «هذه الطريقة غير آمنة، فهي مهيأة للانهيار في أي وقت، ولكن ليس بيدنا حيلة، وننتظر أن تتحسن الأحوال».
من جانبه، أكد مدير أوقاف غزة محمد سالم أنه لا أمكنة في المقابر لدفن الموتى، وأن المقبرة الوحيدة المتوافرة هي «مقبرة الطوارئ» التي جرى افتتاحها أخيراً. «وللحد من الأزمة، أعادت الأوقاف افتتاح المقابر الممتلئة بسبب الحرب وارتفاع أعداد الشهداء، وذلك لدفن الجثث في قبور قديمة».
ونبّه سالم إلى أنهم تواصلوا مع وزير الأوقاف في حكومة التوافق الوطني، يوسف ادعيس، لإنشاء مقابر جديدة، لكنهم لم يتلقوا أي رد حتى اللحظة.