غزة | دون سابق إنذار، اضطر الخمسيني أشرف رضوان هو وأسرته إلى الإجلاء عن مدرسة المغازي الإعدادية للبنات التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا»، والواقعة في المحافظة الوسطى من قطاع غزة، وهم كانوا قد لجأوا إليها بعدما صارت مركزاً للإيواء جراء تعرض منازل أهل المنطقة للتدمير بفعل التوغل البري المحدود على الشريط الحدودي وقصف الطيران.
غادر رضوان وأسرته المدرسة مسرعين على وقع النيران واضطروا إلى النزوح مجدداً، فمشوا على الأقدام نحو مخيم النصيرات غرباً، بعد أن أخطرتهم «الأونروا» بإخلاء المدرسة من دون أن تشكل لهم حصانة من الاستهداف. يقول رضوان، الذي وصل إلى النصيرات قبل رفع أذان المغرب بنحو ساعتين، إن والدته الثمانينية كانت تنتقل ببطء شديد وتتكئ على الجدران بين حين وآخر، لأن ساقيها لم تساعداها للسير على عجل كما باقي الهاربين.
وواجه سكان مخيم المغازي معضلة كبيرة في الاحتماء من وابل الصواريخ والقذائف، فيما كانت حجة «الأونروا» في إخلائهم من المدرسة أن إقامتهم فيها ستهدد حياتهم بالخطر، فراح بعض الموجودين يتصلون بالإذاعات المحلية ليوجهوا نداءات استغاثة لتأمين خروجهم على الأقل.

ما إن أخلى النازحون 4
مدارس في المغازي حتى بادر الاحتلال إلى قصفها

ولم يجد النازحون مبرراً في دفعهم خارج عتبات المدرسة (مركز الإيواء)، على اعتبار أن لديهم خلفية مسبقة على حجم التنسيق بين وكالة الغوث والصليب الأحمر، وكذلك جنود الاحتلال. وقال عدد كبير منهم لـ«الأخبار» إنهم أخلوا أربع مدارس، اثنتان كانتا للمرحلة الإعدادية والأخريان للابتدائية، وبعد خروجهم استهدف الاحتلال أول مدرستين مباشرةً.
وتشير أم محمد النحوي، وهي من النسوة اللواتي تركن منازلهن شرق المخيم، إلى أنها أقامت ليلة واحدة داخل مدرسة المغازي، وفي اليوم التالي أقدم اثنان من موظفي «الأونروا» وأخبرا النازحين البالغ عددهم 1600 بضرورة إخلاء المدرسة فوراً، لأن الوكالة الدولية لا تتحمل مسؤولية تعرض حياة أي منهم للخطر، كما تروي.
وتؤكد النحوي التي تقيم الآن في منزل أحد أقربائها في «النصيرات» أنهم علموا في وقت سابق، من المقيمين في المأوى، أن «الأونروا» عملت على التنسيق مع الجانب الإسرائيلي لضرورة تجنب استهداف المدرسة التي أوى إليها الناس حفاظاً على أرواحهم، لكنهم صعقوا من طردهم فجأة ودون سابق إنذار.
وقالت السيدة الأربعينية لـ«الأخبار»: «الموظفون الأمميون أخبرونا أن حياتنا مهددة بالخطر، وعلينا الخروج فورنا، فأصبنا بالارتباك لأننا أضحينا في الشارع مجدداً ولم نعرف إلى أين سنتجه».
بدوره، قال المستشار الإعلامي لـ«الأونروا»، في غزة، عدنان أبو حسنة، إنه لا يملك معلومات دقيقة عن هذا الموضوع، لكنه أضاف: «أظن أن السبب في إخطار الناس بضرورة الإخلاء هو وجود خطر على أرواحهم». وقدر أبو حسنة، في سياق حديثه لـ«الأخبار»، أن يكون قرب مدارس المغازي من القصف «سبباً في إجلاء السكان عنها»، كاشفاً عن أن قصة مماثلة تكررت في مدرسة تقع في بيت حانون شمال قطاع غزة، «وكان الناس المقيمون فيها معرضين للخطر».
أبو حسنة عاود تأكيد أنه في الوقت الراهن «لا مكان آمن في غزة»، مبيناً أن لديهم نحو 72 منشأة تعرضت لأضرار جراء العدوان، مع ذلك فهو لم ينف استمرار التنسيق القائم بينهم وبين الجانب الإسرائيلي، وإخطار الأخير بإحداثيات المدارس التي يقيم فيها السكان المدنيون، «وعددها نحو 68 مدرسة».
على صعيد متصل، أفاد المستشار الإعلامي بأن 130 ألف شخص لجأوا إلى مدارس «الأونروا» في مناطق متفرقة من القطاع هرباً من القصف، وقال: «هذه المدارس للتعليم وليست بيوتاً... الأونروا في كل مرة تتكبد خسائر هائلة جراء تخريب النازحين أثاث المدارس».
بالاتجاه شمالاً نحو مخيم جباليا، تتكشف أزمات أخرى يعانيها النازحون هناك، فأكثر من 400 أسرة تقيم في مدرسة ذكور جباليا الإعدادية «أ»، وكانت قد هربت من القصف الذي جرى في قرية أم النصر وتعاني جراء نقص الملابس والأغطية. من هؤلاء المواطن أبو أحمد عليان الذي قال لـ«الأخبار» إنه بعث زوجته ليلاً للبحث عند جيران المدرسة عن أغطية ليدثروا بها صغارهم، مؤكداً أنهم يعيشون ظروفاً مأسوية نظراً إلى افتقادهم مقومات الحياة داخل المدارس.
وأكد عليان أنهم يعانون أيضاً نقصاً في مياه الشرب والأطعمة، وحالياً يعتمدون على فاعلي الخير في توفير المأكل والمشرب، في ظل نفاد مخزون المياه داخل المدرسة.
في المقابل، يعد أبو حسنة بتوفير أغطية للنازحين خلال 24 ساعة، مؤكداً أن مدينة دبي الإنسانية الدولية قد تبرعت بأغطية يجري التنسيق لإدخالها عبر الأردن «بعد أن نفد مخزون الأونروا من الأغطية». كذلك جدد مطالبتهم بضرورة توفير 120 مليون دولار دعماً لوكالته، وذلك في سبيل «الاستمرار بدعم اللاجئين وإغاثة النازحين جراء الحرب».
أكثر ما يثير الغرابة في موقف «الأونروا» أنه إذا كانت إسرائيل حريصة على حياة المدنيين المقيمين في مراكز الإيواء التابعة لها، وأن ما دفعها إلى إخراج النازحين من المدارس كان إخطاراً إسرائيلياً بأنه سيقصفها كما جرى في مدرسة المغازي، فكيف قتلت إسرائيل 43 فلسطينياً في حربها الأولى على غزة 2009 كانوا يقيمون في مركز إيواء الفاخورة شمال القطاع وثلاثة آخرين حرقوا جراء الفوسفور الأبيض في مدرسة بيت لاهيا... أين كان التنسيق آنذاك؟