أمضى ليث شبيلات، المعارض الأردني الأكثر جرأة، حياته متنقّلاً بين سجون بلاده، قبل أن يدفعه اليأس من المعارضة الأردنية بكلّ أطيافها، وربّما من المواطنين أيضاً، إلى المغادرة إلى إسطنبول حيث توفّي مساء أول من أمس عن 80 عاماً، إثر نوبة قلبية. وحين استقرّ في المدينة التركية في العامَين الماضيَين، اختار أن يخاطب الناس مباشرة عبر فيديوات مسجَّلة يضمّنها مواقفه.لم تكن سنوات كفاح شبيلات الطويلة في الأردن سهلة، وخصوصاً بعد توقيع «معاهدة وادي عربة» مع العدو الإسرائيلي، والتي عارضها الرجل بشدّة. لكنه خلال عهد الملك السابق، حسين، استطاع أن يَفصل بين الكفاح وبين علاقة القرابة التي جمعتْه بالملك السابق، الذي كان أحياناً يسجنه، ثمّ بعد مدّة يُخرجه بعفو ملكي ويذهب لاصطحابه بسيّارته من السجن إلى المنزل، من دون أن تَترك لفتات الملك التي كان ليث يحرص على تقديرها من باب العلاقات الإنسانية، أيّ أثر على مسيرته تلك. ومع ذلك، انقطع هذا الخيط في أيام الملك عبد الله الثاني، حيث صار الرجل يتعرّض للمضايقة أكثر، ووُجّهت إليه اتّهامات عديدة، لكنه تحدّاها وعاد إلى الأردن في وقت سابق من العام الحالي، ثمّ غادر مرة أخرى، وقيل إن السلطات تغاضت عن خروجه. وفي آخر فيديواته، اعتبر أن الملك عبد الله الذي يتحدّث عن الإصلاح، في ظلّ الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يواجهها الأردن، عليه إصلاح نفسه أولاً.
لعلّ تناقُض التجربتَين القومية والإسلامية، وتعثُّر كلّ منهما، كان من أسباب مغادرته إلى إسطنبول قبل نحو عامَين، بحثاً عن منصّة جديدة للكفاح، حيث كان يصدر فيديوات مسجَّلة يعلّق فيها على الأوضاع في بلده. وعَبرها، شنّ نقيب المهندسين السابق والعضو السابق في مجلس النواب، هجوماً لاذعاً على «الإخوان المسلمين»، وَصفهم فيه بأنهم مجرمون وانتهازيون، وحافظوا على التنظيم لكن من دون أن يحافظوا على الدين الذي يتمسّحون به، فردّ الأخيرون بحملة شرسة وانتقادات قاسية عليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن بين ما يُسجَّل للراحل أنه ظَلّ حتى وفاته يتّخذ موقفاً متمايزاً عن التيار «الإخواني» من الحرب السورية، حافظ فيه على الإشادة بأدوار دمشق في دعم المقاومة، وإنْ كان قد طالب بإصلاحات بوتيرة أسرع، من تلك التي قال إن الرئيس بشار الأسد حدّثه عنها قبيل بداية الأحداث، حيث كان قد وجّه رسالة إلى الأخير بعد اللقاء يقول فيها إنه لم يقتنع بوتيرة الإصلاحات، ناصحاً بالإسراع فيها. وعلى رغم انتقاده موقف «المؤتمر القومي العربي» لتأييده دمشق بلا ضوابط، إلّا أنه قال في مقابلة مع «الأخبار» في الخامس من حزيران 2018، إن «لديّ ملاحظات كثيرة لن تعجب النظام السوري، ولكنّ هناك أموراً أدافع بها عن الدولة السورية. في الوقت ذاته، هناك مواقف لي لا تعجب المعارضة السورية أبداً. أنا مع الدولة السورية وضدّ انهيارها وضياع أراضيها وتقسيمها، وهذا، إنْ أعجب أصحاب المواقف الهوجاء أو لم يعجبْهم، لا يكون إلّا بوجود الرئيس الأسد».