القاهرة | لم تَصدُق توقّعات الحكومة المصرية بإدخال 750 مليون دولار إلى خزانة الدولة من «صندوق النقد الدولي» كشريحة أولى من القرض الجديد البالغة قيمته ثلاثة مليارات دولار، إذ إن ما دفعه «الصندوق»، على رغم الضغوط الكثيرة، لم تتجاوز نسبته الـ11% من قيمة القرض، أي ما يعادل 347 مليون دولار. لكن مع هذا، سارعت القاهرة إلى الإعلان عن سعْيها للحصول على قرض جديد بقيمة مليار دولار. وبخلاف اتفاقات القروض السابقة الموقّعة بين الجانبَين، والتي وصلت قيمتها إلى أكثر من 23 مليار دولار، فإنّ الجدول الزمني لصرْف قيمة القرض الجديد خلال السنوات الأربع المقبلة، لم يُحدَّد بعد، ولا يزال رهْن مسائل يتعيّن على الحكومة المصرية حلّها قبل الحصول على أيّ دفعات جديدة. ففي اتفاقات القروض السابقة التي جعلت من مصر ثاني أكبر مقترض من «النقد الدولي» بعد الأرجنتين، لم تجرِ مناقشة تفصيليّة للتمويلات الإضافية التي ستحصل عليها القاهرة، بعكس ما جرى راهناً من تضمين البيان الرسمي تدخُّلات واضحة في سياسة مصر الاقتصادية، وإنْ كانت الحكومة سارعت إلى «التأكيد» أن بيان «الصندوق» يعبّر عن رؤيتها، وليس مفروضاً عليها.هذه المرّة، تجنّب «صندوق النقد الدولي» أخطاء الاتفاقات السابقة، مشترطاً أن تجري عمليات بيع الأصول التي تمتلكها الدولة إلى دول الخليج، في إطار استقطاب الدولارات من الخارج، التي ستضاف إلى قنوات التمويل التقليدية من الدائنين، ثنائية كانت أم متعدّدة الأطراف، وهو ما من شأنه أن يزيد من حدّة الفقر، خصوصاً مع اتجاه البنك المركزي نحو تعديل مستهدفاته الخاصة بالتضخّم، من رقم أحادي إلى ثنائي خلال العام المقبل، بعد تجاوُز معدّل التضخّم الرسمي الـ21% خلال الشهر الماضي. واشترط «الصندوق» أيضاً الحصول على تمويلات إضافية بقيمة 14 مليار دولار من عمليات البيع، وهو رقم لن يكون ممكناً الحصول على دفعات جديدة قبل الوصول إليه، ما يعني عمليّاً تسارع صفقات الاستحواذ التي ترغب فيها الصناديق الخليجية، وفي مقدمّتها صفقة «المصرف المتحد» بنحو 600 مليون دولار، وصفقة «بنك القاهرة» بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
اشترط «الصندوق» أيضاً الحصول على تمويلات إضافية بقيمة 14 مليار دولار من عمليات البيع


لكن الحكومة لا تمتلك، حتى الآن، رؤية حاسمة للمبلغ المطلوب، في ظلّ وجود عروض استحواذ من صناديق خليجية على شركات ناجحة، بعضها يعمل في قطاع البترول والبتروكيميائيات، بالإضافة إلى أسهم في المصارف الحكومية، وزيادة حصص الأقلية التي تمّ الحصول عليها بالفعل في بعض الشركات من جانب الصناديق الخليجية التي باتت تمتلك موقفاً أقوى في التفاوض مع الحكومة.
ومن شروط «الصندوق» التي لا يبدو أن تحقيقها سيكون قريباً، الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن، والذي سيكون محور مناقشات اجتماع «المركزي» يوم الخميس المقبل، حيث يُتوقّع إجراء تحرير جديد لسعر الصرف مع زيادة للفائدة بنسبة 1%، وسط عملية مراقبة صارمة وشديدة لتحويل العملة في الأسواق الرسمية. وثمة مشروعات سيعاد النظر في سرعة تنفيذها وفي مخصّصاتها المالية المسدَّدة بالدولار، وهو أمر لم تعلنه الحكومة صراحة، في حين سيتمّ إجراء «ضبط مالي» و«إدارة للدَين» بما يتناسب مع الأوضاع المالية. ومن الطلبات التي لا تتناسب مع توجّهات الدولة وسياستها الاقتصادية، قرار التوقُّف عن دفع القروض الميسرة للمشروعات الصناعية التي ستواجه مشكلة حقيقية، وهو ما جرى البدء في تنفيذه بشكل غير معلن وسط عمليات مراجعة واسعة لمستحقّي هذه القروض يتم إجراؤها من جانب جهات سيادية بالتعاون مع القطاع المصرفي. وبحسب مصادر تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن الحكومة المصرية تعهّدت شفهياً بإعادة النظر في الديون التي يجب سدادها، وبأنها ستطلب من الدائنين، وخصوصاً من الجهات العربية، إعادة جدولة مواعيد الديون بما يتناسب مع المتغيّرات الاقتصادية. ووفق المصادر ذاتها، فإن الحكومة وإدارة البنك المركزي جدَّدتا التأكيد على عدم تكرار أخطاء الإدارة السابقة لـ«المركزي» مع تحريك سعر الصرف بما يتلاءم مع حركة دخول وخروج الاستثمارات، وعدم التمسّك بتثبيت سعر الصرف مجدّداً، وهو ما حدث بين شهرَي كانون الثاني وآذار الماضيَين عندما خرج أكثر من 20 مليار دولار بشكل متتالٍ من السوق المصرية.