عمان | انتهت صلاة التراويح في مسجد عمر بن الخطاب في مدينة الزرقاء الأردنية، وفي أروقة الجامع التقى كالعادة مجموعة من الشباب اعتادوا تبادل الحديث عقب الصلوات. كانت غزة حاضرة في نقاشهم، ومرت دقائق حتى ارتفعت أصواتهم داخل المسجد لأن أحد المتدينين، وهو لا ينتمي إلى تيار إسلامي، حاول التصدي لشاب سلفي لا يرى في مقاومة غزة إلا ضرباً من العبث وقتالاً من دون راية حق وأمير شرعي.
ومنذ أن أفرجت السلطات الأمنية عن مشايخ التيار السلفي الجهادي وهم يعملون على تجييش الشارع الأردني ضد تنظيم الدولة الإسلامية «الخلافة»، ولكن حرب غزة والاحتجاجات التي شهدتها محافظات ومخيمات الأردن والقمع الممارس ضد المتظاهرين حوّلت الأنظار نحو القطاع. وحاول أحد هؤلاء المشايخ، واسمه أبو محمد المقدسي، خلال لقاءاتهم بأتباعهم أخيراً، اتخاذ موقف قريب من نبض الشارع. فقال، وفق تسريب مقربين منه، إن غزة جزء من فلسطين، «وأهلها مسلمون في حالة جهاد دفع لا يوجب وضوحاً في الراية ولا إماماً كما الحال في جهاد الطلب». بناءً على هذا التقديم، استنتج المقدسي أنه «ما من مبرر شرعي يسقط فريضة الجهاد العيني على المسلمين في تحرير فلسطين، أو يحول بين المسلمين ونصرة غزة»، كما يقول تلاميذه لـ«الأخبار».
بالتوازي مع ذلك، بثت فيديوات عديدة تحدث فيها شيوخ سلفيون في مصر عن أن ما يجري في غزة هو «مسرحية قطرية تركية هدفها إحراج مصر ولا يجب دعم الشيعة أو المتمولين من الشيعة في غزة والدفاع عنهم».
في هذا المشهد المشوب بالفتاوى التي تناقض الموقف الشعبي، يقول المشرف على دار الإمام الرفاعي للعلوم الشرعية الصوفية، فواز الطباع الحسني مخاطباً العشرات من مريديه: «رسالتنا في التصوف هي الوسطية والاعتدال، لكن ما يجري على أهل غزة يوجب منا تقديم كل دعم للمجاهدين فيها».
بعد انتهائه من خطاب الموجودين، عبّر الطباع لـ«الأخبار» عن استهجانه من تخبّط المواقف لدى التيارات السلفية وطريقة تعاملها منذ زمن مع الصراع ضد الإسرائيليين، متسائلاً: «كيف يصح الجهاد في كل موقع تلتقي فيه المصلحة الأميركية مع الوهابيّة في حين يجري تحريم الجهاد في فلسطين بحجة غياب الراية والأمير؟». ويرى في هذه الحجة أن السلفيين يقصدون أن تكون الراية سلفية «والأمير معبّأً بالفكر الوهابي الذي لا يعترف بالمسلم الآخر»، مشيراً إلى أن الموقف الذي يستند إليه الوهابيون متناقض مع «مبدأ الجهاد الدفاعي في الإسلام». وتابع: «مواقف هذه الفئة تحركها المصالح السياسية وكميات الأموال التي تورد إليها»، مستدلاً بخروجهم للقتال في العراق وسوريا «لأن الراية المرفوعة تنتمي إلى مدارسهم المتطرفة والتكفيرية بخلاف المقاومين في غزة، ومنهم الإسلاميون الذين ينتمون إلى المنهج الإسلامي الوسطي المعتدل».
على النسق نفسه، يرجع المتخصص في الطوائف الدينية ومقارنة المذاهب، إبراهيم الفيومي، الموقف السلفي من الحرب الجارية في غزة إلى ما جرى سابقاً في حرب 2006 بين لبنان وإسرائيل «حينما حرموا الدعاء لحزب الله بالنصر بحجة أنهم من الرافضة في مقابل اليهود الذين يصفونهم بأهل الكتاب». ويذكر الفيومي لـ«الأخبار» أنه في معركة غزة عام 2009 كان الموقف السلفي مشابهاً، وفي ذلك اليوم حمّل الشيخ المصري محمد حسين يعقوب المقاومة مسؤولية العدوان على غزة، وادّعى أن صواريخ المقاومة عبثية وتعطي المبرر للإسرائيليين، «واليوم يخرج الداعية المصري طلعت زهران ليقول إن المقاومة تتحمل مسؤولية الاعتداء، واتهمها بالخيانة وأنها متعاونة مع إسرائيل لتقوم بضرب المدنيين في غزة، محرماً دخول الجيش المصري في هذه الحرب الخاسرة سلفاً!».
وخلال رصد سريع لمواقف شيوخ الوهابية في الخليج، وفق رصد الفيومي، فإن الداعية السعودي محمد العريفي «أخذ يخترع القصص عن جهاد الملائكة في سوريا إلى جانب مقاتلي المعارضة، لكننا لم نجد منه هذه الحماسة في غزة»، كذلك «بينما أخذ السلفي الكويتي نبيل العوضي يحرّض على تسيير الجيوش لتحرير سوريا، فهو اكتفى بدعوة الناس إلى الدعاء لأهل غزة»، وسابقاً شارك شيوخ سوريون، منهم عبد الرحمن دمشقية وعدنان العرعور، في المقاربة نفسها، حين وصفوا حرب 2012 في غزة بأنها تغطية على الأزمة في سوريا.
على محور مقابل، يرد الباحث المقرّب من التيارات السلفية، مروان شحادة، على حديث سابقيه بالنفي، قائلاً: «لا خلاف بين السلفيين في كل مدارسهم وأطيافهم على أن الفصائل الإسلامية والوطنية التي تشارك في القتال ضد العدو الإسرائيلي هي حركات مقاومة وتمارس الجهاد القتالي ضد عدو صائل لا يختلف على وصفه أي منهم». ويذهب إلى الاستدلال على قوله «بمشاركة حركات سلفية في إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتبنيها ذلك خلال الحرب الجارية التي انطلقت شرارتها منذ اغتيال عدد من المقاومين السلفيين».
أما عن تحاشيهم وصف قتلى الحرب بالشهداء، فيقول شحادة لـ«الأخبار»: «لم يبحث السلفيون من الناحية الفقهية إطلاق الأحكام والأوصاف على من يسقط في المواجهات مع الإسرائيليين أنه شهيد أو قتيل، فالأمر يتعدى ذلك، لأن الأولوية الآن لرفع المعنويات والمشاركة في الحرب النفسية على العدو».
لكن، كيف يمكن إقناع الجمهور أو قطاع عريض من الشباب بالفكرة السلفية عن حرب غزة التي يروّج لها حالياً؟ يجيب الخبير في التيارات السلفية عادل الخليلي: «طروحات السلفيين تلقى بعض الرواج في الوسط السنّي بسبب انتشار الجهل والابتعاد عن المؤسسات السنية القائمة على اتباع المنهج العقائدي الإسلامي الأشعري». ويعيد تركيب المشهد بالقول: «الإخوان أعداء للسلفية في الباطن، وظهر ذلك جلياً في مصر، كذلك فإن تعاطي المصالح بين حماس الإخوانية وإيران يثير حنق السلفيين الذين يرون في طهران عاصمة الكفر».