زيارة الرئيس الصيني للمملكة، إنْ حصلت، ستؤدي إلى مزيد من التوتّر في العلاقات السعودية - الأميركية
يريد السعوديون للرئيس الصيني أن يكون «ترامب الجديد»، حتى في الشكل، من خلال الاستقبال الحافل الذي أعدّوه له، والذي يُقارَن، بحسب الكلام السعودي، بزيارة ترامب وعائلته إلى المملكة في مطلع عهده عام 2016، حيث أُغدقت على الأخير الهدايا الشخصية والسياسية، من خلال عقود الأسلحة المئات مليارية التي وُقّعت خلالها، مقابل مشاركته في رقصة «العرضة». فما الذي ستُقدّمه الرياض حتى تَقبل الصين بأن تكون صورة رئيسها في السعودية، جزءاً من الصراع مع الإدارة الأميركية لتثبيت حُكم ابن سلمان لسنوات طويلة قادمة؟ ستكون الزيارة، في حال إتمامها، حدثاً أساسياً من نوع دخول الصين إلى قلْب منابع النفط في الشرق الأوسط، التي ما زال النفوذ فيها حكراً على الأميركيين منذ عشرات السنين، ويمكن بنتائجها أن تؤدّي إلى تعديل في الموازين الاستراتيجية في المنطقة. لذا، يصبح السؤال المطروح: إلى أيّ مدى يمكن لنظام ابن سلمان تحمُّل تبِعات استفزاز من هذا النوع للولايات المتحدة، لا سيما إذا ما اقترن بإجراءات مِن مِثل بيع النفط للصين، وهي أكبر مستورد للنفط السعودي، باليوان، وفق ما سبق أن لوّح به السعوديون في ذروة الخلاف مع إدارة بايدن؟
إذا كان ثمّة خلاف كبير بين الجمهوريين، وتحديداً جناح ترامب، وبين الديموقراطيين حول العلاقة مع السعودية، فإن النظرة الأميركية إلى زيارة شي إلى المملكة ليست نظرة حزبية. فكلا الحزبَين يَعتبران الصين التهديد الأوّل لأميركا، فيما الخلاف ينحصر في كيفية مواجهة هذا التهديد. لذا، فمن الطبيعي أن تستفزّ تلك الزيارة الأميركيين كلّهم، ولا سيما إذا ما تمّ التوصّل خلالها إلى اتّفاقات من شأنها أن تؤذي المصالح الأميركية. ومن الواضح أن الرئيس الصيني، العائد بقوّة بعد المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الذي انتخبه لولاية ثالثة، يحلم بأن يكون الشخص الذي يكسر الهيمنة الأميركية على العالم. ولذا، لا يفوّت فرصة لانتزاع أيّ منطقة من براثن النفوذ الأميركي. ولم يكن اللقاء بينه وبين بايدن، في بالي أوّل من أمس، سوى تذكير بسيط بما تتطلّع إليه بكين، وتعمل له بهدوء الواثق من أن الزمن والمثابرة وحدهما كفيلان بقلْب التوازنات الدولية لمصلحتها كقدَر لا يُردّ. إذ تحدّث خلاله عن أن «لقاءنا اجتذب أنظار العالم كلّه»، واضعاً بلاده في موقع متقدّم في صياغة السياسات العالمية الجديدة، ارتكازاً إلى ما حصل بعد حرب أوكرانيا - التي لا تخفي بكين ميْلها إلى جانب موسكو فيها - بصفتها حرباً غير مباشرة بين أميركا والغرب عموماً من جهة، وروسيا من جهة أخرى، معتبراً أن «العلاقات الصينية الأميركية الحالية في موقف حرج» ويتعيّن إصلاحها.
ستؤدّي زيارة شي للمملكة، في حال إتمامها، إلى مزيد من التوتّر في العلاقات السعودية - الأميركية، وستَخرج أصوات تطالب بالانتقام من ابن سلمان. وسواءً اتُّخذت إجراءات عقابية فورية أم لا، فالأكيد أن حساب وليّ العهد المفتوح في واشنطن سيكبر، خاصة وأن إدارة بايدن تَدرس بالفعل الإقدام على خطوات انتقامية ضدّ الرياض بسبب دفْع الأخيرة القوي في «أوبك بلس» إلى خفْض إنتاج النفط مليونَي برميل يومياً، ما أدّى إلى رفْع كبير للأسعار، وتسبّب بأضرار ليس للاقتصاد الأميركي فقط، وإنّما أيضاً للهيمنة الأميركية على الاقتصاد العالمي.