البصرة | تعوم ثلاث محافظات تاريخية عراقية على بحر من النفط، تشكل مثلثاً ملاصقاً لإيران والخليج، أبرزها محافظة البصرة التي تشكل بوابة العراق ومتنفسه على الخليج وإيران والكويت معاً. محافظة ميسان ذات الأراضي الزراعية والآبار النفطية، ومحافظة ذي قار ذات الحقول البترولية الواعدة والأهوار المائية وصاحبة الثروة الحيوانية الفريدة، تشكلان مستنقعاً نفطياً غير مستكشف.

المحافظات الثلاث، مصدر الثروة لكل أبناء العراق، تعاني إهمالاً شديداً، ونقصاً في الخدمات، لكنها لم تطالب بشكل جدي حتى اللحظة بالانفصال عن العراق، أو على الأقل بفدرالية كإقليم كردستان.
الأحداث الأخيرة للموصل، وما رافقها من سيطرة كردية على آبار نفط كركوك، واحتدام الخلاف السياسي الطائفي، أخذت خواطر عراقيي الجنوب إلى ماضيهم في عهد الملكية، والالتفات إلى بلدان الخليج التي تمتلك ثروة أقل مما تحويه مستنقعات أراضيهم.
الطابع الغالب على محافظتي ميسان وذي قار هي الطبقة البسيطة، ذات الثقافة الزراعية الريفية، على الرغم من وجود طبقات نخبوية مثقفة، إلا أنها غير مؤثرة، بعكس محافظة البصرة التي يمتاز أهاليها بالتوق إلى المدنية، فضلاً عن تصديرها ما يؤمن 82% من موازنة العراق، إضافة إلى ميناء أم قصر، الذي يمثّل المعبر الرئيس للبضائع الواردة إلى كل أرجاء البلد.
الوضع في البصرة يختلف عن محافظتي ميسان وذي قار، اللتين تنتجان ما نسبته 12% من موازنة العراق. إلا أن أهاليهما لا يفكرون بالانفصال عن البلد أو تحقيق فدرالية على نطاق مشترك بعضهما مع بعض، أو منفردتين، إذ إنهم يتحمسون لرؤية عراق موحد. أما البصرة صاحبة المحاولات الفردية الفاشلة، فتفكر الآن بشكل جدي بإعلان فدرالية مستقلة، مع استمرار التهميش الحكومي، والنسيان الذي يلف أقدم أهالي العراق، وأكثرهم تمسكاً بأرضهم.

تمتاز البصرة
بتصديرها ما يؤمن
82% من موازنة
العراق
ويقول الباحث الأنثربولوجي ذو الأصول البصرية علي طاهر في حديثه إلى «الأخبار»، أنه لم يتبلور لدى البصريين أي اتجاه يسمح برؤية انفصالية، إلا أن هذا لا يعني شعور أهل البصرة بالغبن. ويضيف «82% من عائدات الميزانية سنوياً فقط هي من محافظة البصرة، في حين لا تزال مياهها غير صالحة للاستهلاك البشري وحتى الحيواني»، مؤكداً نفوق الحيوانات والمواشي في جنوب البصرة جرّاء المياه المالحة وغير الصالحة للاستهلاك.
ويبين طاهر أن «مدخل البصرة كان يصل الى 2000 متر مكعب من الماء في الثانية حتى سنة 2003، أما الآن فيصل إلى 50 متراً مكعباً بالثانية إلى شمال البصرة، وتصل إلى الصفر أو إلى سالب في جنوب البصرة، وعند مدخل شط العرب تحديداً، بحيث اللسان الملحي القادم من البحر امتد إلى مدينة الفاو، وأهلك الكثير من الأراضي الزراعية، وأبرزها قرية «الحناء»، المشتهرة بزراعة نبات الحناء. ويؤكد الباحث «وجود شعور بالغبن لدى الناس وتساؤل عن مصير أموال البصرة»، متوقعاً أن تشهد البصرة ثورة شعبية من طراز آخر، تطالب بالفدرالية، لأن أهالي البصرة يخضعون لسيطرة بغداد، ويتم تعطيل معاملاتهم الزراعية والإدارية والتجارية والمالية بسبب بيروقراطية المركز «الفاشل» الذي لم يقدم لأهالي البصرة شيء. وزاد أن «بعض الأهالي يشعرون بالإهانة عندما يغادرون إلى بغداد (نحو 570 كلم) لمعاملة إدارية بسيطة كالتقاعد.
ويتشبّه معظم البصريين بأهالي الخليج، ولهجتهم أقرب إلى دولة الكويت، «وهم يعتبرون أنفسهم جزءاً من الخليج لأنهم يستحقون ذلك، لما يمتلكونه من نفط وثروات تغطي احتياجات العراق بالكامل، وليس مدينتهم فحسب».
من جانبه، يشير عضو حزب الدعوة في البصرة محمد الموسوي، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «عدم وجود جهة سياسية تمثل الطبقة الوسطى في البصرة غير ائتلاف دولة القانون، أوقف مشروع فدرالية البصرة»، باعتبار أن «دولة القانون» هي صاحب رؤية العراق الموحد والمركزي، ومنح الصلاحيات للمركز دون المحافظات والأقاليم.
ويضيف الموسوي إن «القانون رقم 21 لمجالس المحافظات، نص على منح صلاحيات واسعة للحكومات المحلية، إلا أن الائتلاف رفع دعوى قضائية ضده وأوقفه، على الرغم من أنها تسيطر على حكومة البصرة المحلية».
وزاد أن «هذا الأمر بات يثير حفيظة البصريين، ويبعدهم عن تأييد دولة القانون، التي تمكنت من السيطرة على جميع مفاصل الحكم في العراق طوال السنوات الثماني الماضية، من دون أن تحقق شيئاً يذكر»، لافتاً إلى بعض الخلافات السياسية التي أتت بسبب سياسة «دولة القانون»، ولا سيما أن «سلوك الأكراد الاستفزازي بالسيطرة على آبار نفط كركوك، زاد من شعور البصريين بالغبن».
وقال إن «هذا الأمر ولّد شعوراً لدى البصرييين بأن الأكراد يضحكون على ذقونهم، ويعتاشون على خيرات البصرة، لكن خيراتهم لهم وحدهم».
وبسيطرة الأكراد على آبار كركوك، يخسر العراق 30 مليار دولار كحد أدنى من موازنته السنوية، وهذا المقدار يجب أن يموّل من نفط البصرة لسد هذا النقص.
ولفت إلى أن «القوى التي ترفع شعار معاداة الأكراد يمكنها أن تحظى بشعبية واسعة في البصرة، نتيجة هذا الإجراء».
سياسياً، البصريون ليس لديهم ما يكفي من ممثلين داخل الحكومة العراقية، إذ إنه من أصل 400 وكيل أو مَن بدرجتهم، هناك 3 وكلاء من البصرة فقط، ووزير واحد بالوكالة هو وزير المالية صفاء الدين الصافي. أما داخل حزب الدعوة الحاكم، فنسبة البصريين لا تتجاوز الـ 5% وهي نسبة ضئيلة جداً، يؤشر تغييب البصريين حتى في الأوساط الحزبية.
وهناك 25 نائباً من البصرة، إلا أنهم تابعون لقيادات سياسية وإرادة حكومة، وأهل البصرة ليس لهم حظوة في هذا المجال. وهنا يبرز تناقض شعبي غريب، إذ إن شعبية ائتلاف دولة القانون تتركز في البصرة وبغداد تحديداً، ولكن البصرة لا تحظى بعدد كاف من الممثلين التنفيذيين.
ولا تنظر الحكومة العراقية بعين الاعتبار إلى ما قد تؤول إليه الأمور في البصرة تحديداً، نتيجة هذا الشعور بالغبن المتزايد، فرؤية حزب الدعوة لا تؤمن بإنشاء فدرالية وأقاليم وإعطاء صلاحيات واسعة للحكومات المحلية، في المقابل، لا يحقق الحزب شيئاً من طموحات أهالي البصرة، الأمر الذي قد يضطره إلى دفع ثمنه يوماً ما.
وكان السياسي البصري البارز وائل عبد اللطيف قد اتبع الآليات الدستورية لإعلان البصرة إقليماً، لكن المشاركة لم تكن واسعة، وفشل أول المساعي سنة 2009، وكان من المفترض أن يجري الاستفتاء بعد حصول حملة التواقيع على نسبة عشرة بالمئة من الناخبين المؤهلين، البالغ عددهم الكلي في المحافظة آنذاك أكثر من مليون و400 ألف ناخب، إلا أن هذا الطلب لم يلق ترحيباً في البصرة حينها.
وفي هذا السياق، يقول مدرس اللغة العربية في إحدى مدارس البصرة منتصر العيداني، إن «الانتخابات كانت خير قياس للرغبة في الفدرلة، إذ إن شخصاً يدعى محمد الطائي، ليس سوى مدير محطة فضائية، وليس له أي تاريخ في البصرة، يحصل على أكثر من 40 ألف صوت، متفوقاً على كبار الساسة في المدينة، لا لشيء، وإنما فقط لأنه يتحدث باسم فدرالية البصرة»، وكان الطائي مفاجأة الموسم الانتخابي.





النجف تقاطع البضائع «الداعمة للإرهاب»

أعلنت مديرية شرطة محافظة النجف العراقية في بيان أمس، أنها بدأت تطبيق قرار صادر عن مجلس المحافظة، بمنع بيع وشراء البضائع التركية والسعودية والقطرية، متهمةً هذه الدول الثلاث بدعم وتمويل «الإرهاب» في العراق. وجاء في البيان: «من أجل تنفيذ ما أقره مجلس محافظة النجف الأشرف في منع بيع وشراء البضائع التركية والسعودية والقطرية، فإن الجهات الأمنية المختصة ستتابع التجار والأسواق لمنع تداول بضائع الدول المشار إليها».
وأضاف البيان أن الجهات الأمنية «ستمنع دخولها إلى الحدود الإدارية للمحافظة، وستمهل التجار تصريف البضائع المنتشرة في أسواق محافظة النجف الأشرف، ولن تسمح لهم باستيراد بضائع الدول الداعمة للإرهاب». وتابع «كما ستتخذ إجراءات قانونية صارمة، بحق من يتعامل بالبضائع التركية والسعودية والقطرية».
(أ ف ب)