بدا الاستنفار الأميركي للردّ على «التنمّر» السعودي كبيراً
مع ذلك، تبْقى للقرار اعتبارات اقتصادية «جديرة بالملاحظة»، على حدّ تعبير الصحافي سايمون هندرسون، على رأسها اشتداد حاجة ابن سلمان إلى المال لإتمام مشاريعه ذات التكلفة المهولة، وهو ما لا يبدو أن بإمكانه تحقيقه إلّا من خلال قفزات عالية في أسعار النفط، في ظلّ تعثّر بقيّة الخطط الهادفة إلى رفد الميزانية بالأموال اللازمة لإنجاز «رؤية 2030». هذه الاعتبارات حاول وزير النفط السعودي، عبد العزيز بن سلمان، أحد أخوة وليّ العهد الذين يهيمنون على الكثير من المراكز الأساسية في نظامه، تغليفها بأن «الهدف منْع تدهور الأسعار في ظلّ الحديث عن ركود عالمي محتمَل»، معتبراً أن «الاتهامات بالانحياز إلى روسيا مهينة وغير عادلة، فأوبك بلس ليست مؤلَّفة فقط من روسيا والسعودية، وإنّما تضمّ الدول الـ13 الأعضاء في أوبك، وعشر دول من خارجها، وهؤلاء وافقوا بالإجماع على الزيادة». لكن الطريقة التي احتفى بها الموالون لابن سلمان على مواقع التواصل الاجتماعي بـ«جلْد» بايدن، والردّ على ما اعتبروه ابتزازاً غربياً للخليج والعرب عموماً، تدلّ على نوايا سعودية مبيّتة في هذا الخصوص. كما أن الأميركيين هم الأكثر خبرة في كيفية العمل داخل «أوبك»، ويعرفون التأثير السعودي الذي استعملوه لعشرات السنين، بل ويعود الكثير من الفضل إليهم بالذات، في المكانة التي تتمتّع بها الرياض داخل المنظّمة.
من هنا، كان الاستنفار الأميركي للردّ على «التنمّر» السعودي، كما وصفه عضو مجلس النواب، رو خانا، في أعلى مستوياته بعد قرار الخفض، بدءاً من بايدن الذي يئس من محاولات إقناع ابن سلمان بهدوء برفع إنتاج النفط، نزولاً إلى كلّ المستويات في الإدارة والكونغرس، والتي انشغلت في كيفية الانتقام من ولي العهد، وسط تقدير لموقع «أكسيوس» الذي يقول إنه اطّلع على أجواء الإدارة، مفاده أن الأخيرة تستعدّ لتغيير مسار العلاقة مع السعودية. وفي هذا الإطار، تردّدت دعوات من أعضاء الكونغرس لتوجيه إنذار مباشر إلى الرياض بالتراجع عن القرار أو مواجهة عقوبات أميركية وإعادة النظر في التحالف معها. كما أُثيرت إمكانية أن تَعتبر واشنطن خفْض الإنتاج «عملاً عدائياً»، بما يعني أن المسألة تجاوزت كثيراً الآثار الاقتصادية المتمثّلة في رفع مستوى التضخّم العالمي، وما يؤدّي إليه من تبعات سلبية على مستوى معيشة المواطنين، ليصبح كلّ مشارك في ذلك الخفض، مساهِماً مباشرة في دعم الجهد الحربي الروسي ضدّ أوكرانيا، والذي تتعامل معه الولايات المتحدة بصفته حربها الخاصة، وتَعتبر مواجهة روسيا نفطياً من أهمّ الأسلحة في خضمّه. وتُواجه إدارة بايدن ضغطاً كبيراً من أعضاء الكونغرس الديموقراطيين للقيام بردود سريعة، بالنظر إلى أن أسابيع قليلة تفصل عن الانتخابات النصفية، والتي لا يبدو الديموقراطيون فيها في وضع جيّد، خاصة أن أسعار النفط عادت لتتّجه صعوداً بعد تراجع بنسبة 25 في المئة خلال الربع الثالث من العام الحالي، أوصلها إلى ما دون الثمانين دولاراً.
إنها الحرب إذاً، تعود من جديد، بين بايدن وابن سلمان، لكن إدارة الأوّل للجولة الأولى منها بدت رخوة، ما مكّن الثاني من الانتصار فيها، علماً أن الرئيس الأميركي كان وما زال يملك مجموعة من الخيارات البديلة، منها العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، ورفع العقوبات عن فنزويلا والسماح بعودة شركة «شيفرون» إلى العمل هناك، والاستثمار في الإنتاج داخل الولايات المتحدة، لكنه لم يستخدم أيّاً منها، واختار الخضوع لابتزاز إسرائيل التي تجد مصلحة حيوية لها في دعم ابن سلمان.