القاهرة | يستكمل النظام المصري استعداداته لإقامة «الحوار الوطني»، الهادف إلى تصدير صورة من الديموقراطية إلى العالم من ناحية، ومن ناحية أخرى التخفّف من بعض أعباء الكارثة الاقتصادية المحدقة بالبلاد، ومن ناحية ثالثة تهيئة الأجواء السياسية لانتخابات 2024 الرئاسية، والتي يُفترض أن تكون تعدّدية، فيما في النهاية سيكون الرئيس عبد الفتاح السيسي المرشّح الوحيد القادر على الفوز فيها. وشهد الشهران الماضيان، اللذان أعقبا إعلان الدعوة إلى الحوار خلال إفطار رمضاني في نهاية نيسان الماضي، الكثير من الخطابات والمراسلات والضجيج الإعلامي حول أهمّية هذا الملتقى، وانفتاح السلطة على إجرائه في أقرب وقت من أجل تحسين «حياة المواطنين». واختير ضياء رشوان، نقيب الصحافيين ورئيس «الهيئة العامة للاستعلامات»، الجهة التي تتبع رئاسة الجمهورية والمسؤولة عن تحسين صورة الأخيرة أمام العالم، منسّقاً للحوار، بينما جاء اختيار محمود فوزي، المساعد الأسبق لوزير العدالة الانتقالية والأمين العام السابق لمجلس النواب، مستشاراً، ليرسّخ الانطباع بهشاشة الفائدة المرجوّة من الحوار، باستثناء تبييض صفحة النظام عبر مسؤولي الصف الثاني من رجاله، والذين نجحوا في السنوات الماضية في إمساك العصا من المنتصف؛ فلا هم انتقدوا النظام وقراراته علناً، ولا هم خسروا علاقاتهم مع المعارضة واتّهموها بالخيانة.وأعلنت «الأكاديمية الوطنية للتدريب» التي تديرها المخابرات، والمسؤولة عن الحوار وتنظيمه، في الفترة الماضية، استقبال طلبات المشاركين، وخصّصت أرقاماً وبريداً إلكترونياً للتواصل، علماً أن المفترض، وفق خطّة الدولة، اختيار 15 عضواً من مختلف التيارات السياسية والشخصيات العامّة ليشكّلوا مجلس أمناء للحوار، الذي سينعقد داخل مقرّ «الأكاديمية الوطنية للتدريب» التي أنشأها السيسي. ومع إعلان اكتمال التجهيزات اللوجستية، التي كانت قائمة بالفعل داخل الأكاديمية بعدما كلّفت مئات الملايين، ينتظَر أن ينطلق أول اللقاءات في الأسبوع الأول من شهر تموز المقبل، قبل أن تتوقّف بسبب إجازة عيد الأضحى، ثمّ تُعاود الاستئناف. وبعدما رُوّج للحوار على أساس أنه حوار سياسي في الأصل، يبدو أنه سيتحوّل إلى التركيز، بالدرجة الأولى، على كيفية التعامل مع التحدّيات الاقتصادية، في ظلّ الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، والتوقّعات بمزيد من التداعيات الكارثية.
لا يبدو أن لدى الأحزاب رؤية واضحة يمكن البناء عليها لانتزاع مكاسب من النظام


واللافت أن كلّ ما أُعلن عنه حتى الآن من عناوين يُفترض أن يبحثها الحوار، يركّز على مطالب مِن مِثل رفع الرواتب وخلق ظروف أفضل للاستثمار، فيما لم تُلحظ طلبات سياسية من قبيل عودة الحياة السياسية والحزبية بشكل فعلي، وإلغاء القوانين المقيّدة للحريات، وعودة الحق في التظاهر، ومراجعة القوانين والإجراءات الاقتصادية التي اتّخذتها الحكومة وعرض مزاياها وأضرارها. بدورهم، سيطرح حقوقيون ومحامون وأحزاب مسألة قانون الحبس الاحتياطي، وضوابطه وقيوده التي تحتاج إلى تعديل يتطلّب تمريره مناقشات مستفيضة في مجلس النواب قبل أن يدخل حيّز التنفيذ، وهو ما لن يستغرق أقلّ من عام. وفي هذا المجال، يرى مراقبون أنه لو كانت الدولة صادقة في مشروعها، لأظهرت عجلة في إصلاح هذا القانون الذي يُستخدم للتنكيل بالمعارضين إلى أجل غير مسمّى.
وباستثناء مسألة قانون الحبس الاحتياطي، والذي يحظى بإجماع قانوني على عوراته، لا يبدو أن لدى الأحزاب رؤية واضحة يمكن البناء عليها لانتزاع مكاسب من النظام الذي يواجه ضغطاً اقتصادياً كبيراً، يجبره على إشراك المعارضة - ولو شكلياً - في قراراته، وإيقاف عمليات التخوين التي نشطت في السنوات الماضية، والاتهامات بالانتماء إلى «الإخوان المسلمين». أمّا السياسيون الذين عارضوا النظام و«الإخوان» على السواء، ويقبعون خلف القضبان سواءً على ذمّة الحبس الاحتياطي أو محبوسين بأحكام صدرت من محكمة أمن الدولة، فلا يزال الغموض يلفّ موقفهم من الحوار.