بنغازي | لا يكاد يمرّ يوم واحد من دون تسجيل حادثة اغتيال أو تفجير تربك أيام بنغازي (شرق ليبيا) ولياليها، لكن بعض الاغتيالات ترمي بظلالها على المشهد السياسي. وصُدم الليبيون، أول من أمس، بعد انتشار خبر اغتيال المحامية وعضو المجلس الانتقالي السابق، سلوى بوقعيقيص، في منزلها على أيدي مجهولين.
اقتحم المنفذون بيت بوقعيقيص وطعنوها أكثر من مرّة، ثم أطلقوا على رأسها رصاصة كانت كافية لإسكات صوتها الذي ألفته ساحات بنغازي وأيام ثورة فبراير. كما كانت امرأة استثنائية في المشهد الليبي، فهي حقوقية وسياسية ومن أبرز الأصوات ضد نظام العقيد القذافي. ولم تتردد في التعبير عن موقفها حيال الشأن العام عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
لا يكاد يختلف اثنان بشأن سلوى بوقعيقيص وتماهيها مع الثورة، وتمسكها بحلم الدولة المدنية القائمة على احترام الحريات العامة والخاصة، فراحت كل المكوّنات السياسية والقبلية تعزّي بها، باستثناء القتلة طبعاً.
ما زاد المأساة اختفاء زوجها مباشرة بعد الواقعة، وهو ما يرجح اختطافه، أمّا أبناؤها فكانوا خارج ليبيا. كذلك فإن طريقة الهجوم وطعنها ثم رميها بالرصاص، يمثل تصعيداً خطيراً وغير متوقع في مسلسل العنف الدموي في ليبيا، وذلك على ضوء أن الاغتيالات التي تطال السياسيين والإعلاميين والعسكريين تجرى في الشارع، وأحياناً في وضح النهار. ويزيد الأمر تعقيداً أن الحدث صار في مجتمع يوصف بأنه محافظ.
الصدمة تجاوزت حدود الداخل الليبي، فقد تعددت ردود الفعل الدولية التي عبّرت عن إدانتها الشديدة للحادثة. الاتحاد الأوروبي أعرب عن صدمته من اغتيال بوقعيقيص، مندداً بما وصفه «استمرار عمليات القتل الحاقدة ضد ناشطي حقوق الإنسان في ليبيا». أمّا السفيرة الأميركية لدى طرابلس، ديبورا جونز، فكتبت على حسابها الخاص في «تويتر» أن «إشعاع بوقعيقيص لن ينطفئ» وأن «على الجميع العمل على تحقيق حلمها في بناء ليبيا حرّة».
من جانبه، عبّر السفير البريطاني، مايكل آرون، عن صدمته لما وصفه بـ«القتل المروع لأحد رواد ثورة السابع عشر من فبراير وأحد أبطال حقوق الإنسان».
وسلوى بوقعيقيص بالإضافة إلى أنها مناضلة، فهي أيضاً نائبة رئيس لجنة الحوار الوطني الذي يريد أن ينطلق لكنه يبقى خافتاً أمام صوت السلاح، ويأتي استهدافها، في جانب منه، من أجل إسكات صوتها. ما يخشاه الليبيون أن تصبح سلوى رقماً يضاف إلى قائمة الشهداء الذين طالتهم يد الغدر، وتمضي إلى النسيان، ليصير القتل واقعاً تعتاده الأذن والعين.
في المقابل، الحكومات الليبية المتعاقبة، بعد سقوط القذافي، قالت إنها تعرف القتلة، لكنها لا تقدر على مواجهتهم الآن لأن الدولة ضعيفة، وهيبتها في عداد النسيان.
قالت سلوى بوقعيقيص قبل رحيلها بساعات قليلة إنّ بنغازي تتحدى الكل بصمودها وذهابها إلى انتخابات برلمانية، لكنها لم تر حلمها في ليبيا حرّة آمنة. وتمضي ليبيا وسط جلبة الفوضى والسيارات المفخخة، فهل ستكون الطريق سالكة أم أنّ اغتيال بوقعيقيص يدق اسفيناً آخر في حلم الدولة الليبية؟