غزة | أثارت حادثة استشهاد 5 مقاومين داخل نفق في قطاع غزة يتبعون لكتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، الخميس الماضي، جدلًا واسعًا عن ماهية الأخطاء الفنية التي تودي كل شهر بعدد من الشهداء، وذلك في ظل ظروف غامضة تترافق مع الاستعدادات المكثفة التي تتحدث عنها المقاومة لمواجهة التهديدات الإسرائيلية المتواصلة بشن عدوان على قطاع غزة.
عن الانفجار الأخير لمّحت مصادر في المقاومة إلى أن ما جرى هو انفجار لعبوة داخل أحد أنفاق المقاومة الواقعة على الحدود الشرقية لغزة، علما أن التحقيق لا يزال جاريا كما أفادت مصادر أخرى من «القسام» لـ«الأخبار». الحادث نتج منه استشهاد خمسة مقاومين إضافة إلى أحد رجال الدفاع المدني، الذي حاول انتشال الجثث، لكن المصادر الطبية ذكرت أن رجل الدفاع المدني استشهد جراء استنشاقه غازا ساما، وهو السيناريو نفسه الذي حدث قبل أقل من عام في نفق آخر للكتائب شمال القطاع، ونسب إلى اكتشاف الاحتلال النفق فوضع فيه كمينًا للمقاومين، كما يجدر الإشارة إلى أن عملية الانتشال الأخيرة استغرقت يومين.
خلال تشييع الشهداء، قال عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، خليل الحية، إن كتائب القسام ستواصل حفر الأنفاق وتصنع الصواريخ، مشيرا إلى أن عناصر «القسام الخمسة هم شهداء التجهيز والإعداد». وأضاف الحية: «لا يمكن أن تحدث مواجهة مع العدو دون هذا الإعداد، وهؤلاء الشهداء شباب النخبة وخلاصة الكتائب وخيرتها».

13 شهيدا بسبب
الأخطاء الفنية منذ بداية العام الجاري

ولا يخفى على المتابعين أن المقاومة في غزة تعاني نقصًا شديدًا وملحوظًا في الإمكانات التي كانت تهرب عبر الأنفاق الحدودية جراء إغلاق الجيش المصري معظم تلك الأنفاق، وتشديده الأمني على حرية الحركة في سيناء، ما حذا بالفصائل إلى العودة، أو زيادة، أساليب التصنيع المحلية التي كانت فاتورتها عالية بسبب الأخطاء الناجمة عن انقطاع لسنوات عن هذه الأساليب، ونتيجة الاعتماد على السلاح المصنع دوليًّا.
يذكر أن عدد المقاومين الذين راحوا ضحية أخطاء التصنيع جاوز حدود 13 شهيدًا من الفصائل كافة منذ بداية العام الحالي، فضلًا عن عشرات الإصابات. وإن جرى اعتماد مصطلح «شهداء الإعداد»، وتبني الفصائل أولئك المقاومين، فهي تحدث ألمًا ومأساة كبيرين على حياة أسرهم، كما تفتح عيون أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على أماكن الأنفاق ومتابعة تقنيات المقاومة المحلية وغيرها.
في هذا السياق، راجعت «الأخبار» قائدًا ميدانيًّا في كتائب القسام يدعى أبو حمزة، الذي أكد أن المقاومين يتخذون احتياطات عالية خلال تصنيع المواد المتفجرة، «لكن لا يضمن أحد ألا تحدث أعطاب أو خلل فني كانفجار الصواعق، ما يودي بحياة القائمين على التصنيع». يعبّر أبو حمزة، وهو صاحب لحية كثيفة، عن تلك اللحظات بالقول: «ندرك أن الخطأ الأول في المتفجرات هو نفسه الخطأ الأخير».
وأضاف: «نعمل وفق الإمكانات المتاحة... صحيح أننا لم نخض مواجهات تستنزف مخزوننا، لكن مع إغلاق الأنفاق يجب أن نواصل التجهيز حتى لو كان ذلك محليًّا»، معللًا: «المرحلة المقبلة حرجة وتتطلب منا كثيرًا من الاحتياطات العسكرية، فالأفق السياسي لا يوحي بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه».
أما المتحدث باسم لجان المقاومة الشعبية، أبو مجاهد، فشدد على أن المقاومة لم تتخل يوما عن التصنيع المحلي، مع ما كانت تهربه عبر الأنفاق، التي أوضح أن إغلاقها أثر سلبيًّا في الكم والنوع. وقال لـ«الأخبار»: «التصنيع المحلي أثبت جدارته في مقارعة الاحتلال طوال سنوات الانتفاضة، بل وصلت صواريخنا المحلية، قبل دخول الجراد وغيره في غزة، إلى قدرة لم يتوقعها الإسرائيلي من حيث مدى وقوة الصواريخ». واستدرك أبو مجاهد: «من الطبيعي أن يسقط شهداء في عمليات التصنيع، أو حتى في أنفاق المقاومة.... هؤلاء هم شهداء الإعداد، وهم جزء من استكمال مشروع المقاومة القائم على التجهيز»، لافتًا إلى أن أداء ودور هؤلاء الشهداء سيُريان على المدى القريب.
مع تتبع سلسلة الانفجارات الداخلية في القطاع منذ مطلع العام الحالي، يظهر أن المحافظة الشمالية شهدت تسجيل أربعة شهداء في الحادي عشر من آذار الماضي خلال انفجار وصف بـ«الغامض» داخل منزل يعود إلى عائلة الحمادين في بيت حانون (شمال). أعقب ذلك استشهاد عنصر آخر من تنظيم جديد أعلن نفسه ونعاه باسم حركة «حصن» خلال جنازته، كما أصيب نهاية أيار الماضي مواطنان بانفجار غامض في بيت حانون نفسها.
كذلك، شهدت مدينة خانيونس (جنوب) تسجيل ثلاثة شهداء من «القسام» إثر انفجار لم تعرف طبيعته وقع في منطقة حي المنارة منتصف نيسان الماضي. وفي المدينة نفسها أعلنت سرايا القدس، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، استشهاد اثنين من عناصرها خلال تدريب في موقع تابع لها.
الخبير في الشؤون العسكرية، اللواء واصف عريقات، يرى أن انسداد الأنفاق أثر سلبيًّا على عمل المقاومة في غزة، لكنه يعتقد أن الأخيرة لا يمكن أن تحصر خياراتها في سبيل واحد من أجل جلب السلاح. وقال لـ«الأخبار»: «مع أن الأنفاق كانت وسيلة مهمة لتهريب السلاح والعتاد كما هو معروف، لكن بالتأكيد لدى المقاومة منافذ أخرى تعتمد عليها». ولا يتوقع عريقات أن تكون الملاحقة الأمنية في سيناء سببًا مباشرًا وراء دفع الفصائل اتجاه التصنيع المحلي للصواريخ، علمًا أن الفصائل كانت تعتمد في بداية الانتفاضة المسلحة على شراء السلاح من تجار إسرائيليين يهربونه بأسعار كبيرة. كذلك من اللافت أن هناك انفجارات داخلية تهز قطاع غزة بين حين وآخر، وترجعها الجهات الأمنية والإعلامية إلى حوادث غامضة، أو أخرى تتعلق بالتدريب الميداني والتجارب لعناصر المقاومة.