بغض النظر عن مسؤولية حركة «حماس» عن أسر المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة، أو تنفيذ فصيل مقاوم آخر هذه العملية، مع الالتفات إلى ارتفاع مؤشرات الاتهامات الإسرائيلية، لم يكن المطلوب لدى صانع القرار السياسي والأمني في تل أبيب الكثير من أجل توجيه بوصلة الاتهام نحو «حماس»، وذلك لأسباب سياسية وعملانية. على هذه الخلفية، تأتي وجهة المواقف التي يطلقها القادة الإسرائيليون السياسيون والأمنيون، وكذلك محور الخطاب الإعلامي العبري الذي تجنّد خلف الخطاب السياسي الرسمي.
في هذا الإطار، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن «حماس» ستواصل دفع ثمن باهظ «بسبب خطفها المستوطنين الثلاثة». وأضاف خلال لقاء مع عشرات من رؤساء البلديات أن «دولة إسرائيل في ذروة عملية عسكرية واسعة تشمل مستقبلاً نشاطات كثيرة ستستهدف الإرهابيين الذين يستهدفون إسرائيل ويريدون القضاء عليها». في تعبير مباشر عن خطة التوظيف الإسرائيلية، وضمن جزء من سياسة تصاعد الضغوط على الواقع الشعبي الفلسطيني، لفت نتنياهو إلى اعتقال عشرات من عناصر «حماس»، «وكذلك من الذين جرى الإفراج عنهم في صفقة التبادل السابقة مقابل الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط».
في السياق نفسه، أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال «اعتقال 65 مطلوباً، من بينهم 50 من الذين تحرروا في صفقة التبادل عام 2011»، وأضاف المتحدث: «نُقل المطلوبون للتحقيق معهم لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية»، مشيراً إلى اعتقال نحو «240 مطلوباً وتفتيش حوالى 800 منزل». تصعيداً للموقف، صرّح مصدر عسكري إسرائيلي رفيع بأن لجنة خاصة في «قيادة المنطقة الوسطى تنظر في احتمال إعادة الفلسطينيين الخمسين من عناصر حماس الذين أفرج عنهم سابقاً إلى السجن لاستكمال محكومياتهم الأصلية». ولتبرير هذا الخيار وشرعنته، أضاف المصدر أن «شروط الصفقة تسمح لإسرائيل بإلغائها في حال عودة المفرج عنهم إلى ممارسة النشاط الإرهابي». لكنه عاد واستدرك بالقول: «الأمر لا يزال قيد الدراسة والبحث، ولم يتخذ حتى الآن أي قرارات».
ومما قد يفتح الباب على تساؤلات واسعة عن المدى الجغرافي لرد الفعل الإسرائيلي الموجه وفق أجندة سياسية محددة مسبقاً، شدد وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون على أن النشاط الاستخباري والعسكري «ليس مقيّداً بزمان أو مكان». وأضاف: «الجهد الأساسي هو للعثور على الخاطفين والمختطفين، ولن يهدأ لنا بال حتى نحقق ذلك»، متابعاً: «حماس في الضفة ستدفع ثمناً باهظاً في أعقاب الخطف، وسنعرف كيف نصل إلى قيادتها عبر العمل بإصرار ومسؤولية».

المس بأجهزة
السلطة الأمنية ليس ضمن أهداف الحملة الإسرائيلية
أما قائد «المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال»، اللواء نيتسان الون، فكشف عمّا يمكن تصنيفه على أنه الهدف المباشر للعملية العسكرية حين قال إن «حماس ستخرج بعد هذه العملية أكثر ضعفاً من الناحيتين العملياتية والاستراتيجية على حدّ سواء»، ورأى أن «قادة الحركة يشعرون جيداً بالضغوط الممارسة عليهم ويفهمون الرسالة بوضوح».
من جهة أخرى، ورغم أن «حماس» أو أياً من فصائل المقاومة الأخرى لم تخف النية لفعل كل ما من شأنه تحرير الأسرى، تحاول إسرائيل توثيق ما تراه دليلاً على أن أسر المستوطنين الثلاثة كان بأمر من قيادة «حماس» وتوجيهها، وذلك لإضفاء مشروعية على سياسة التنكيل والاعتقالات التي تمارسها في الضفة المحتلة. في هذا المجال، أعلن ضابط إسرائيلي أن رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، ضمَّن في إحدى كلماته دعوة إلى اختطاف إسرائيليين، «الأمر الذي أدى إلى تنفيذ العملية الأخيرة». هذا الحديث يظهر كأنه لم يكن لناشطي المقاومة في مدن الضفة تعليمات سابقة للعمل على تحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون، وكأنهم كانوا بانتظار صدور الأوامر حتى أتت في خطاب معلن. هكذا يظهر أن إسرائيل تروّج لمقولة أن ناشطي حماس في الضفة الذين سمعوا خطاب مشعل فسّروه على أنه أمر واضح لأسر إسرائيليين. ومن أجل استكمال السيناريو المتخيّل إسرائيلياً، أعرب الضابط عن اعتقاده بأن الإجراءات العملانية لأسر المستوطنين بدأت في أعقاب هذا الخطاب. وفي تعبير عن توظيف إسرائيلي إضافي متصل بمفاوضات التسوية، شكّك رئيس الهيئة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع، اللواء عاموس غلعاد، بقدرة السلطة الفلسطينية على السيطرة الأمنية على الضفة، كما ذكر موقع «واللا». وأضاف غلعاد: «عبر تجربة طويلة مع السلطة، هم غير قادرين في هذه المرحلة على تحمّل المسؤولية»، وهو ما يؤشر على أن إسرائيل تريد أن تتخذ ممّا جرى ذريعة من أجل تبرير مطالبها على صعيد الترتيبات الأمنية التي تشكل إحدى القضايا الأساسية في المفاوضات بشأن الوضع النهائي.
من جهة أخرى، ذكرت صحيفة «هآرتس»، نقلاً عن مسؤول عسكري رفيع، أن التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة يسير «بصورة اعتيادية». المسؤول أوضح أن القوات الإسرائيلية تبلغ الأجهزة الأمنية مسبقاً نيتها دهم أي مدينة فلسطينية، «وتطلب من رجال الأجهزة الأمنية البقاء في ثكناتهم على خلفية هذا الإجراء»، مضيفاً: «المس بالأجهزة الفلسطينية ليس جزءاً من الحملة العسكرية، ولا توجد نية لدى الجيش للتصادم معها».
بينما أعلن مصدر في مكتب نتنياهو، مساء أمس، أنّ «دعوة أبو مازن إلى إعادة المخطوفين غير كافية»، وأن «الامتحان الحقيقي إلغاء اتفاقية المصالحة مع حماس»، أشادت وزيرة القضاء، تسيبي ليفني، بحديث رئيس السلطة، قائلة إن على إسرائيل والمعتدلين في الجانب الفلسطيني «التصدي لحماس وإيجاد طريق للعودة إلى المفاوضات».
رغم ذلك كله، لم تغفل القيادة الإسرائيلية العمل على تمرير مشاريع استيطانية إضافية، إذ أعلنت بلدية الاحتلال في القدس موافقتها على «بناء 172 وحدة استيطانية في مستوطنة هار حوما في القدس الشرقية». وهي المرحلة الأخيرة قبل بدء البناء هناك.