بغداد | لا تزال الأحداث الأمنية الدراماتيكية في العراق تعصف بالحياة في جميع مدنه، فتبرز مواقف وتغيب أخرى، في وقت استعاد فيه الجيش زمام المبادرة، عقب فتوى مرجعية النجف يوم الجمعة الماضي. وشكلت فتوى السيد علي السيستاني دافعاً معنوياً وزخماً للقوات المسلحة ولعشرات آلاف المتطوعين الذين رفدوا التشكيلات الأمنية في محافظتي صلاح الدين وديالى، اللتين تسعى «داعش» للسيطرة عليهما.

في هذا الوقت، نشر تنظيم «داعش» صوراً قال إنها عملية إعدام جماعية نفذها بحق 1700 من طلبة كلية القوة الجوية في العراق. وعلّق التنظيم على الصور بقوله: «الله أكبر والعزة لله ولرسوله... والله ان هذه الصور خمدت الروافض عن المطالبة بحقوقهم واستعلائهم في الجزيرة العربية وستكون لسنوات وأصبحوا مندهشين ومصدومين... والله ان البركة تعود لله عز وجل ولدولة الخلافة وليس من الأنظمة الخليجية».
وأظهرت الصور التي نشرت في موقعي «حنين» و«المنبر الإعلامي» التابعين للتنظيم العشرات من المسلحين وهم يطلقون الرصاص باتجاه المئات من الشبان العراقيين الذين ظهروا بملابس مدنية، وبعضهم من وضع يديه خلف رأسه، فيما ظهر بعضهم مضرجاً بدمه.
وقال إنه نفذ الإعدام بـ1700 من طلاب كلية القوة الجوية في قاعدة «سبايكر» شمال تكريت بعد أيام على تسليم أنفسهم. وأوضح أنه أفرج عن 800 من «مرتدّي السنّة» الذين يعملون في القاعدة، بناءً على أوامر من أميرها أبو بكر البغدادي.
وبدا واضحاً أن زحف تنظيم «داعش» السريع تباطأ وانطلقت مرحلة استنزاف أجبرت عناصره على ترك مناطق جلولاء والعظيم في ديالى، والإسحاقي وطريق تكريت الرابط مع بغداد، في حين سيطرت قوات البشمركة على معبر ربيعة الحدودي مع سوريا، بعد ستة أيام من سيطرة المسلحين عليه.
وكان المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة قاسم عطا قد أعلن أمس مقتل أكثر من 300 عنصر من «داعش»، وإحراق 21 عربة في نينوى وصلاح الدين وديالى، إضافة إلى 30 أخرى في محافظة بابل.
يأتي ذلك في وقت كشفت فيه مصادر عسكرية لـ«الأخبار» عن انطلاق عملية عسكرية كبرى الأسبوع الحالي في صلاح الدين ونينوى، بعد اكتمال الخطط العسكرية اللازمة لاستعادة السيطرة على هذه المناطق.
وذكر ضابط عسكري برتبة لواء، لـ«الأخبار»، أن العملية العسكرية ستنطلق من سامراء باتجاه تكريت والشركاط ونينوى، بمشاركة عدد كبير من الطائرات والدبابات والدروع العسكرية، فضلاً عن آلاف المتطوعين الجدد.
وأوضح الضابط الذي رفض الإفصاح عن اسمه لعدم تخويله الحديث مع الإعلام، أن القوات الأمنية استعادت محيط سامراء وطريق تكريت، وفتحت ممراً من بيجي إلى الشركاط.
في غضون ذلك، أعلنت عشائر تكريت مقتل رئيس أركان الجيش العراقي السابق عبد الواحد شنان آل رباط، وهو أحد أبرز وجوه الجيش العراقي في فترة حكم صدام حسين، وهرب عقب سقوط النظام السابق إلى سوريا حيث مكث عدة سنوات، لكن عائلته عادت إلى بغداد عقب الأزمة السورية. وكانت الحكومة العراقية الحالية أصدرت أمراً ديوانياً بحقه وبحق خمسين آخرين من كبار رجالات البعث، قبل نحو عامين، لمنحهم رواتب تقاعدية، في استثناء من قانون المساءلة والعدالة (اجتثاث البعث سابقاً).
وفي آخر التطورات الأمنية على ساحة العاصمة بغداد، تمكنت الفرقة 14 من الجيش العراقي، بإسناد من أبناء عشائر منطقة إبراهيم بن علي الزراعية، من السيطرة على المنطقة الفاصلة بين المنطقة وقرية «الكرمة»، إثر تعرضها لسلسلة هجمات مسلحة، وقتلت خلال العملية العسكرية التي نفذتها مساء أول أمس عشرات المسلحين، بحسب رواية أهالي منطقة إبراهيم بن علي.
وفي طور الأحداث الأمنية المتسارعة في العراق، شكّل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي «مديرية الحشد الشعبي»، على خلفية تزايد أعداد المتطوعين عقب فتوى السيستاني. وأعلن وزير الأمن الوطني فالح الفياض، في مؤتمر صحافي، توفير الحكومة المال والسلاح لدعم المتطوعين، لكنه استدرك بالقول إن «أعداد المتطوعين ستحددها حاجة الساحة والمعركة»، في إشارة إلى عدم حاجة الحكومة العراقية إلى جميع المتطوعين.
وأعلنت مكاتب المرجعيات الدينية في مدينة النجف إرسال 8 آلاف متطوع ممن يجيدون استخدام السلاح إلى سامراء.
وتشير مصادر عسكرية إلى بلوغ أعداد المتطوعين في عموم العراق أكثر من 100 ألف متطوع، يجري تدريب عدد قليل منهم، نظراً إلى الإمكانات العسكرية المحدودة في ساحات التدريب ومقار إقامة المتدربين. وتشهد شوارع بغداد منذ يوم الجمعة الماضي استعراضات ومظاهر مسلحة لجموع المتطوعين، تحمل أعلاماً عراقية ومختلف أنواع الأسلحة.
من جانب آخر، أكد رئيس مؤتمر صحوة العراق أحمد أبو ريشة، أمس، أن «تنظيم داعش موجود» في الأنبار وصلاح الدين، و«ليس الثوار»، وعدّ من ينفي وجود التنظيم أنه «معه»، موضحاً أنه «موجود باستعراضاته وملابسه وراياته وقتله للمدنيين وعناصر الجيش». كذلك دعا المحافظات الأخرى إلى «طرد داعش وأعوانه» أسوة بالأنبار، في الوقت الذي طالب فيه أهالي الفلوجة «بالعودة» إلى مدينتهم، «ليكشفوا حقيقة داعش بأنفسهم، وأنه فجّر ودمّر وأحرق الفلوجة».
إلى ذلك، أمرت الولايات المتحدة بإرسال حاملة الطائرات «يو أس أس جورج بوش» إلى الخليج العربي بسبب الأزمة في العراق، كما أعلن البنتاغون أول من أمس.
وقال المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، إن الأمر الذي أصدره وزير الدفاع تشاك هاغل «سيعطي القائد الأعلى مرونة أكبر في حال تطلب الأمر شن عملية عسكرية أميركية، لحماية أرواح أميركيين ومواطنين ومصالحنا في العراق».



لا وحدات إيرانية في العراق؟

نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن أحد المسؤولين العراقيين تحذيره من أن بلاده قد تضطر إلى اللجوء إلى طلب مساعدة من إيران في حال لم تقدم الولايات المتحدة أي مساعدة. وقال المسؤول العراقي الذي يعمل مستشاراً لرئيس الحكومة نوري المالكي، إنه ليس لديه علم بوجود وحدات عسكرية إيرانية على الأراضي العراقية»، منتقداً سياسة الولايات المتحدة وطريقة تعاملها مع الأزمة العراقية، موضحاً أنها لم تدرّب جيشاً قادراً على مواجهة الأزمة الحالية.
من جانبه، قال محافظ نينوى أثيل النجيفي، أمس، إن أهل السنّة قادرون على «طرد الإرهاب من مناطقهم»، لكن «لن تجد أحداً منهم يقبل مكافحة الإرهاب تحت راية المالكي أو الأجندة الشيعية». في السياق، قال رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي، إن «المناطق المحيطة بالعاصمة العراقية بغداد، تتساقط، ومن المحتمل جداً أننا ماضون على طريق تقسيم العراق». وأضاف «أعتقد أننا ماضون إلى سرينة العراق»، أي تحويلها إلى النمط السوري في الصراع. وتابع «الحزام الدائري حول بغداد قد سقط، الضواحي الآن بأيدي المسلحين وبأيدي الميليشيات السنيّة، وحكومة بغداد غير قادرة على تغيير ذلك».
(الأخبار)