دمشق | على رغم تقليل «قسد» من أهمية المعلومات المتداولة عن عملية عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري، إلّا أن تحضيرات عدّة بدأت بالفعل على الأرض لمواجهة أيّ سيناريو من هذا النوع، إذ تفيد مصادر كردية، «الأخبار»، بأن «قسد» نقلت 15 سيارة إسعاف من مدينة الرقة إلى مدينة عين عيسى لدعم عمل المشافي الميدانية في حال بدأت العملية التركية، متحدّثة أيضاً عن نقل كمّيات من الإطارات المطاطية إلى خطوط التماس ضمن «الخطط الدفاعية التي ستعمل من خلالها نقاط المواجهة على تشكيل سحب من الدخان تعيق عمل القوات التركية». وبحسب المصادر نفسها، فقد «تلجأ القيادة العسكرية لقسد إلى نقل كميات من النفط الخام لاستحضار تكتيك عسكري استُخدم من قِبَل القوات العراقية في حرب عام 2003 قبيل سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وهو تكتيك قد يعيق ولكنه لن يمنع الغارات الجوية التركية، مع استمرارية نقل المصفّحات والسيارات الرباعية الدفع المزوّدة برشاشات ثقيلة». على أن الأنفاق والتحصينات الهندسية التي أنشأتها «قسد» خلال الفترات الماضية لن تكون كفيلة على ما يبدو بصدّ أيّ توغّل تركي؛ بالنظر إلى أن ميزان القوة يميل بشكل واضح لمصلحة أنقرة التي تقول وسائل إعلامها إن 40 ألف عنصر تركي وسوري حشدوا لجولة القتال الجديدة ضدّ «قسد».ويقرّ القادة الأكراد بأن سلاح الجو التركي سيشكّل علامة فارقة في أيّ معركة مقبلة، فيما فشلوا هم في الحصول على صواريخ مضادّة للطيران، بما فيها المحمولة على الكتف والمعروفة باسم «كوبرا»، كما أنهم لا يمتلكون كمّيات كافية لمواجهة طويلة من الصواريخ المضادّة للدروع (الدبابات والمصفّحات)، وهو ما تعيده المصادر إلى أن «الأميركيين وطيلة سنوات دعمهم لقسد كانوا يمتنعون عن تقديم هذا النوع من الأسلحة، على رغم طلبها أكثر من مرّة»، مشيرة إلى أن «الردّ الأميركي كان يأتي بأن لا مبرّر لتسلّم قسد هذا النوع من الصواريخ لكون داعش لا يمتلك سلاحاً جوياً»، في ما يعكس نوعاً من التفهّم لمخاوف تركيا. ولئن كانت الوحدات الكردية قد استفادت من التلال والمرتفعات الطبيعية خلال معارك مدينة عفرين قبل سقوطها في آذار 2018، فإن المعركة القادمة، وفي أيّ من محاورها المحتملة، ستكون ضمن أراضٍ سهلية قليلة التلال، وبالتالي لن تكون ثمّة قدرة على استخدام قذائف «RBG» لمحاولة استهداف المروحيات التركية كما حدث في عفرين.
يقرّ القادة الأكراد بأن سلاح الجو التركي سيشكّل علامة فارقة في أيّ معركة مقبلة


إزاء ذلك، وفي ظلّ غياب تطمينات أميركية بأن تكون عين العرب خارج خارطة العمليات التركية المحتملة، تراهن «قسد» على أن إبقاء موسكو قوّاتها المتمركزة بالقرب من منطقة الإذاعة جنوب شرق كوباني، يُعدّ عامل أمان بالنسبة إليها. والأمر نفسه ينسحب على عين عيسى وتل رفعت ومنبج وتل تمر، من الناحية النظرية، لكنّ المفاجآت محتملة في أيّ لحظة، ومن بينها أن يعمد الأتراك إلى تجنّب الصدام مع النقاط الروسية، والتقدّم في محيطها، بما يجعلها على نحو أو آخر محاصَرة، في استنساخ لتكتيك استخدمته القوات الروسية والسورية ضدّ نظيرتها التركية شمال حماة، حيث حاصرت عدداً من نقاط المراقبة التركية التي نُشرت بموجب «مخرجات أستانا»، لتنسحب لاحقاً القوات التركية بعد أشهر من انعدام جدوى بقائها.
على أيّ حال، فإن الحديث عن عملية من أربعة محاور يبدو، في حال صحّته، مبالَغاً فيه؛ إذ ثمّة احتمالان رئيسان لأيّ هجوم تركي وفقاً لما تشير إليه معطيات التحشيد: الأوّل باتجاه قرى شمال عين عيسى، في محاولة للسيطرة أولاً على الطرق الواصلة إلى عين العرب (كوباني)، ومن ثمّ التقدّم غرباً باتجاه جسر قره قوزاك، بما يحقّق جملة أهداف من أهمّها تقطيع أوصال مناطق سيطرة «قسد»، والثاني عبر التقدّم جنوب شرق رأس العين وشمال تل تمر في ريف الحسكة، بهدف تحقيق توسّع إضافي لأنقرة على الأرض. على أن هذين الاحتمالين ليسا محسومَي النتائج، خصوصاً أن موسكو غير معنيّة بخسارة ما حقّقته شمالاً.