دمشق | أفادت مصادر مطّلعة «الأخبار» بأن التحضيرات جارية لإخراج دفعة جديدة من اللاجئين العراقيين من مخيّم «الهول» في ريف الحسكة الشرقي نحو الأراضي العراقية، بعد إتمام عملية أولى، قبل أسبوعين، نُقلت بموجبها 115 عائلة إلى مخيّم «الجدعة» في محافظة نينوى. وبحسب مصادر قريبة من إدارة المخيّم التابعة لـ«قوات سوريا الديموقراطية»، فإن التأخير في عملية نقل اللاجئين العراقيين إلى بلدهم ناجم عن الخلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان حول مكان توطين هؤلاء، إذ اقتُرح أوّلاً نقلهم إلى قرى تقع في نطاق الحدود الإدارية المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، قبل اتفاق الجانبين على مخيّم «الجدعة».ويشكِّل العراقيون النسبة الكبرى من سكّان مخيّم «الهول» الذي يُعدّ أخطر بقعة جغرافية في الأراضي السورية، نظراً إلى ارتفاع معدّل جرائم القتل المرتكبة بحقّ المدنيين فيه، وعمليات التصفية التي تستهدف عناصر الحراسة التابعة لـ«قسد». ويبلغ تعداد قاطنيه، حالياً، نحو 60 ألفاً، منهم 30 ألف عراقي، و11 ألفاً يحملون 60 جنسية مختلفة وموجودون في جناح خاص يسمّى بـ«جناح الأجنبيات»، والبقية من حاملي الجنسية السورية. وبعد تطبيق اتفاق الباغوز الذي سلّم «داعش» بموجبه آخر معاقله الرسمية في الأراضي السورية لـ«قسد»، في 19 آذار 2019، ارتفع عدد سكّان المخيّم من 10 آلاف إلى 72 ألفاً، غالبيتهم من عائلات عناصر التنظيم. في هذا الوقت، سمحت «الإدارة الذاتية» بإعادة توطين نحو 9 آلاف سوري في مناطق دير الزور والرقة وريف حلب الشرقي، فيما وافقت على خروج نحو ألفَي عراقي في دفعات سابقة، كان آخرها في شهر أيار الماضي، حين دخلت مجموعة حافلات من معبر حدودي قرب ناحية سنجار الواقعة قبالة مدينة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، وانتقلت إلى المخيّم الواقع على بعد 45 كيلومتراً إلى الشرق من مدينة الحسكة، لتعود الحكومة العراقية، أخيراً، وتنقل 115 عائلة (487 فرداً)، على أن يكون تعداد الدفعة المقبلة مشابهاً، بعدما أبدت 100 عائلة رغبتها في العودة. وفي هذا الإطار، كشفت مصادر مطّلعة لـ«الأخبار»، أن نحو 11 ألف عراقي من المرتبطين بـ«داعش» رفضوا العودة إلى بلدهم، خشيةً من الملاحقة القانونية. وشهد، آب الماضي، ورشة عمل أقامها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بهدف إعادة اللاجئين من مخيّم «الهول» وإعادة دمجهم في المجتمع العراقي، لكن إدارة المخيّم لا تمتلك معلومات دقيقة حول إمكانيّة استمرار الحكومة العراقية بنقل كلّ مَن يرغب في العودة.
رفض نحو 11 ألف عراقي مرتبطين بـ«داعش» إعادتهم إلى بلدهم خشية الملاحقة القانونية


وفي تقريرها الـ24 الصادر أخيراً، قالت لجنة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق في سوريا: «لا يزال الآلاف من النساء والأطفال محتجزين بشكل غير قانوني في مخيّمات عبر شمال شرق سوريا في الأراضي التي يسيطر عليها تحالف قوات سوريا الديموقراطية، يُشتبه في علاقتهم بداعش... تُركوا لتدبّر أمورهم بأنفسهم في ظروف قد ترقى إلى المعاملة القاسية أو اللاإنسانية». وأشار التقرير إلى أن «مخيّم الهول ومخيّمات أخرى بالقرب من الحدود العراقية في شمال شرق سوريا، تشهد احتجاز 40 ألف طفل، نصفهم عراقيون. ويأتي 7800 شخص من حوالى 60 دولة أخرى، فيما تمّ، منذ منتصف عام 2019، إطلاق سراح ما يقرب من 5000 طفل سوري من المخيمات إلى مجتمعات في الشمال الشرقي بموجب ما يسمّى باتفاقات الرعاية العشائرية. كما تم إطلاق سراح حوالى 1000 طفل أجنبي وإعادتهم إلى ديارهم». وبحسب تقرير المنظمة، أعادت فرنسا 35 طفلاً فقط من أصل 320 يقطنون في المخيّم، فيما أعادت بريطانيا أربعة أطفال، ويُعتقد أن 60 طفلاً لا يزالون في سوريا. وتشير إحصاءات يوردها التقرير إلى أن 83% من عملية الترحيل جرت في اتجاه أوزبكستان، كوسوفو، كازاخستان وروسيا.
لتهريب... والهروب
وفق مصادر «الأخبار»، أحبطت «قوات سوريا الديموقراطية» عدداً كبيراً من محاولات الهروب من المخيّم الذي يوصف بأنه «معتقل»، كون المعاملة فيه تساوى بين المرتبطين بـ«داعش» وغيرهم. وتختلف محاولات الهروب من حيث الشكل؛ فالبعض يعمد إلى تقديم مبالغ مالية طائلة لحرّاس المخيّم لتسهيل هروبه ليلاً، فيما يلجأ آخرون إلى سائقي صهاريج نقل المياه الذين يعملون لمصلحة المنظمات الناشطة داخل المخيم، ليتمّ تهريبهم عبر خزانات سرّية مجهّزة في أسفل الصهريج. ولكن أيّاً من عائلات التنظيم لا تحاول مغادرة المخيم قبل الاتفاق مسبقاً مع أحد المهرّبين، ليقوم بنقلها إلى الأراضي العراقية أو التركية أو المناطق السورية التي تسيطر عليها القوات التركية في شمال حلب. ويأخذ الطريق نحو العراق شكلَين: الأوّل عبر محاولة اجتياز الحدود شرق بلدة الهول القريبة من المخيّم؛ والثاني عبر محاولة الوصول إلى مناطق ريف الحسكة الجنوبي قبل الدخول إلى الصحراء العراقية للانتقال إلى الأنبار. وغالباً ما تكون عملية التهريب محفوفة بالمخاطر ومرتفعة التكاليف، إلّا أن عائلات التنظيم تحصل على تمويل ذاتي من أقاربها خارج سوريا عبر الحوالات المالية التي يتم تسلّمها من خلال مكاتب الصيرفة المنتشرة في المخيم بموافقة «قسد». وفي هذا السياق، تفيد المعلومات بأن «سوق المخيّم» يحتوي على 11 مكتباً للصيرفة، فيما يحظى «جناح الأجنبيات» بوجود شركة ناشطة في داخله. ولا توجد تقديرات دقيقة لحجم الأموال المحوّلة شهرياً، إلّا أن النشاط التجاري ضمن «جناح الأجنبيات» تحديداً، يشير إلى إمكانية صرف كل عائلة ما بين 300 إلى 600 دولار شهرياً لشراء حاجيات لا تؤمّنها المنظمات.