اللاذقية | خلال اشتباكات عنيفة بين مسلحي المعارضة وقوات الدفاع الوطني، على طريق النبعين في كسب (ريف اللاذقية الشمالي)، قضى قائد قوات الدفاع الوطني في اللاذقية هلال الأسد، نجل ابن عم الرئيس السوري، خلال المعارك الدائرة في المنطقة. وقبل تأكيد الخبر، ساد الجمود والارتباك في أوساط المدنيين والعسكريين داخل المدينة الساحلية وريفها. رصاصة في القلب ألحقت الرجل بعشرات الشهداء الذين قدمتهم المدينة أمس، لتحرير كسب والقمم المحيطة بها من سيطرة المسلحين.
ترافق انتشار الخبر مع فوضى عارمة، جراء سقوط صاروخين استهدفا، لأول مرة، وسط المدينة، ما أوقع 3 شهداء و5 جرحى، حال بعضهم خطرة. طوق أمني فرضته القوى الأمنية حول مناطق سقوط الصاروخين، في شارع 8 آذار، وساحة الشيخ ضاهر في مركز المدينة. إغلاق مداخل المدينة ومخارجها أثار مخاوف السكان، من أي أحداث أمنية غير متوقعة، في ظل الفوضى الميدانية الحاصلة على جبهة كسب. وخلال وقت قصير، فرغت شوارع المدينة من المارين، في حين أغلقت المحال التجارية أبوابها باكراً. أصوات رصاص متقطعة تناهت إلى أسماع اللاذقيين، فتوقع معظمهم سيناريوات عدة قادمة، قد تزيد الوضع الميداني سوءاً في الريف الشمالي.
يوم عصيب عاشه اللاذقيون بكل المقاييس، على وقع أصوات سيارات الإسعاف التي لم تتوقف طوال يومين، بعدما استولى المسلحون على مدينة كسب، فاحتلوا جزءاً منها. اشتباكات عنيفة خاضها الجيش وقوات الدفاع الوطني ضد هجوم المسلحين عبر محاور عدة في آن واحد. تكتيك عسكري هجومي دقيق يتبعه المسلّحون، للمرة الأولى، في ريف اللاذقية. «استعادة النقاط المُحتلة مسألة وقت»، يقول مصدر مواكب لعمليات الجيش في المنطقة. مصادر ميدانية أُخرى ترجّح أن قائد العملية المسمّاة «غزوة الأنفال» جنرال تركي. وبصرف النظر عن صحة الأمر، إلا أن المؤكد أن الدولة التركية مارست خرقاً واضحاً للاتفاقيات الدولية حول حماية الحدود المشتركة. الانفلات الحدودي ليس جديداً، إذ إن تسهيل تركيا حركة «الجيش الحُر» وتقديم الدعم اللوجستي له في العامين الفائتين، قابله رد سوري بإخلاء قسم من المناطق الحدودية الشرقية لسيطرة حزب العمال الكردستاني، حسب تقارير استخباراتية وصحافية. هجمات مسلحي «أحرار الشام» و«جبهة النصرة» بدأت عبر نبع المر ومعبر كسب الحدودي وتلة الصخرة، وتمكّنوا من السيطرة على هذه النقاط بعد اشتباكات دامية. وأفاد أحد الجنود المدافعين في المنطقة بأن التكتيك المتبع ساعد المسلّحين على تحقيق تقدم كبير للمرة الأولى، بسبب بدئهم الهجمات من منطقة نبع المر المتحكمة بطريق الإمداد إلى كسب. سقوط جبل النسر، بدوره، في أيدي المسلحين أدى إلى تثبيت مؤقت لهم في المناطق المذكورة، وقنص طريق النبعين كاملاً. إغلاق طريق الشيخ حسن، عبر البدروسية وصولاً إلى البحر، إثر انكشافه على قناصي المعارضة، أدى إلى ازدياد حراجة الوضع في المنطقة. فالطريق المذكور بقي خلال العامين الأخيرين الطريق الوحيد الآمن للوصول إلى كسب. وهذا يعني منع قوات المؤازرة من الوصول إلى قرية السمرا (الشهيرة بـ«ضيعة ضايعة»)، لولا انسحاب المسلحين من تلة الصخرة إثر هجوم مضاد. تتبع مكالمات المسلحين عبر اللاسلكي يوضح ارتياحهم إلى التكتيك المتبع في عملية التقدم، والقاضي بتسلل قلة منهم في هجوم مباغت يشلّ حركة المدافعين، والتثبيت بواسطة عدد محدد من الأفراد، باستخدام القنص لحماية نقاط التقدم المرتفعة. الخطة الموضوعة بإحكام منعت الجيش من الاستفادة من سلاح الجو، بسبب عدم توافر إحداثيات أرتال عسكرية أو آليات معادية ضمن الأراضي السورية. سلاح الجو اضطر بدلاً من ذلك إلى قصف نقطة تجمع محورية للمسلحين، ما أدى إلى استنفار مضادات الطيران التركية وإسقاط الطائرة السورية، التي نجا طاقمها. مرصد الـ 45 الأشهر والأكثر تحصيناً من قبل الجيش، بقي صامداً في وجه المهاجمين، رغم تعرضه لهجوم عنيف. التعزيزات بدأت تصل تباعاً إلى مناطق الاشتباكات، إلا أن حاجة الجنود السوريين اقتصرت على ضرورة تحييد الجانب التركي عن المعارك، إذ تمنع الحدود الجيش من التوغل البري لتضييق الخناق على المسلحين المهاجمين. أصوات المسلحين عبر اللاسلكي تشي بلهجاتهم الخليجية، ما يستفز جنود الجيش السوري أكثر فأكثر، وسط حراجة الموقف. يروي أحد المقاتلين أن الخرق التركي هو الذي قلب المعادلة، إذ إن نبع المر، شرقي كسب، يعتبر منطقة تمركز وتثبيت عسكري للجيش السوري، وهو يطل على مناطق المعارك في الفرلّق وربيعة. أما من الغرب، فيمكن رؤية مساحات خضراء تفصل كسب عن البحر، دون أي وجود عسكري في المنطقة الحدودية. مخفر حدودي وحيد هو كل ما يدل على وجود الدولة السورية في المنطقة. وترى القيادات الميدانية بواسطة مناظير مقربة تنقلات المسلحين ضمن عربات الجندرمة التركية. وبحسب الجنود، فإن الضغط على النقاط العسكرية وصل إلى خربة سولاس وبيت حليبية والملك. جميع المدنيين في كسب أخلوا المنطقة باتجاه اللاذقية، تحت إشراف الجيش، منذ بداية الهجمات. عائلات أرمنية نزحت سابقاً من السليمانية في حلب إلى قرية السمراء، ووجدت نفسها أخيراً في حي الأميركان وسط اللاذقية. يقول جورج، ابن مدينة حلب: «من الصعب أن ننسى المذابح الأرمنية والتهجير الماضي، فقدرنا ألا نبتعد عن حدود وطننا الأصلي. من حلب نزحنا إلى كسب. والعدوان التركي اليوم يجبرنا على النزوح مجدداً. ولا نعرف ماذا بعد كل هذا». والدته لا تتوقف عن البكاء، وهي تسمع الأخبار عما يجري في كسب. ماتيلدا، نازحة من اليعقوبية في إدلب، تذكر لـ«الأخبار» أن كسب تحوّلت في السنتين السابقتين إلى مركز إيواء كبير لسوريين أرمن هاربين من العنف والإرهاب في المدن الداخلية.

يمكنكم متابعة مرح ماشي عبر تويتر | @marah_mashi