رام الله | البركان الذي ظل خامداً طوال السنوات الماضية انفجر فجأة، وطفت على سطحه ملفات بالغة الحساسية، كانت السلطة الفلسطينية، وحتى خصومها، تلفها بالسرية التامة خلال الفترة الفائتة. الكلام على الخلاف الذي تأجج أخيراً بين محمود عباس ومحمد دحلان. صراعٌ وإن أثار استياء طيف واسع من الفلسطينيين، إلا أن إحدى نتائجه العكسية هي كشفه عيّنة من حجم الفساد داخل أجهزة السلطة، وعلى أيدي من كانوا في إحدى أدق مراحل القضية الفلسطينية صنّاع قرار، وأوصياء على حقوق الشعب.
لا شك في أن حديث أبو مازن أمام المجلس الثوري كان مفاجئاً للجميع. لم يخطر ببال أحد أن عباس، المقبل على اختبار حاسم أمام الرئيس الأميركي، باراك أوباما، سيفتح ملف محمد دحلان المليء بالألغام، ويشرع الباب أمام صراعات هو في غنى عنها، لكن عباس وضع حداً لملف ظلت السلطة تُقل في الحديث عنه طوال السنوات الماضية: «دحلان لن يعود، انتهى أمره، لا وساطة ولا غيرها». حسم عباس الأمر بعدما وجه إلى خمصه اتهامات تتضمن الفساد، والمسؤولية عن «انقلاب غزّة»، فضلاً عن اتهامه بالمسؤولية عن قتل بعض الشخصيات الفلسطينية. لكن أخطر تلك التهم، هي التلميح إلى دور لدحلان في اغتيال الرئيس الراحل، ياسر عرفات.
تلك الاتهامات دفعت دحلان إلى رفع نبرة الخطاب، شانّاً هجوماً لاذعاً على عباس، خلال ساعتين ونصف في برنامج العاشرة مساءً الذي يقدمه الإعلامي وائل الأبراشي على قناة «دريم 2»، وبعد «التقذيع» في شخص الرئيس نفسه، رد دحلان بتهم مماثلة تتعلق بالفساد، واستغلال عباس منصبه في عقد صفقات تجارية لأولاده، بالإضافة إلى المسؤولية عن إخفاء شخصيات ذات صلة مباشرة بقضية اغتيال عرفات.
صحيح أن التهم تنطلق من دوافع كيدية كما يبدو، لكن فتح ملفات قديمة في هذا الوقت يثير علامات استفهام كثيرة: لماذا بدأ الطرفان فجأة بتبادل الاتهامات حول تصفية عرفات، وتكشفت فجأة المعلومات التي بجعبتهما عن القضية؟ سؤال يتردد بقوة في الشارع الفلسطيني.
إذا كان أبو مازن يعلم كل تلك التفاصيل عن تجاوزات دحلان، فلماذا ظل صامتاً عليها طوال الفترة الماضية؟ هذا ما احتجّ به دحلان نفسه أكثر من مرة في اللقاء التلفزيوني، السؤال ذاته وجّهته «الأخبار» إلى عضو المجلس الثوري لحركة «فتح»، موفق مطر. قال إن «كل التفاصيل التي ذكرها عباس في خطابه أفرزتها لجان التحقيق الثلاث التي شكلتها حركة فتح والسلطة، وكل ما تحدث به الرئيس هو نتاج تحقيقات طويلة على مدار السنوات الخمس الماضية»، مشيراً إلى أنه «عندما فُصل محمد دحلان تزايدت الدعاوى الموجهة ضده، لأن الناس تحررت من خوفها، حتى أصبح دحلان مداناً بـ 16 ملف اتهام بقضايا قتل». وأضاف: «ثانياً، أبو مازن يفهم جيداً مفهوم الإضعاف الاستراتيجي؛ فعندما تواجه في جبهتك الداخلية أعداءً أقوياء، عليك في البداية أن تضعف قدراتهم. محمد دحلان بحكم نفوذه السابق في (جهاز الأمن) الوقائي ووزارة الأمن الداخلي، كان متغلغلاً في الكثير من القطاعات الحيوية في السلطة، وكان يجب إضعاف قدراته قبل فصله من الحركة، وعندما قُصَّت أصابع الأخطبوط التي كان متمدداً بها داخل مراكز النفوذ، أصبح لا بد من طرح هذه الأمور علناً للجمهور».
أما عن سبب طرحه تلك المعلومات الحساسة أمام الرأي العام، ولا سيما أن بعضها لا يمثل دليلاً قطعياً، بيّن مطر أن أبو مازن «قرر أن يقدم كل ما يملك من المعلومات للشعب الفلسطيني، حتى يكون القرار لديه»، مشيراً إلى أنّ «حرق صور محمد دحلان في الميادين، تعبير عن القرار الشعبي الفلسطيني».
قدم دحلان في لقائه الأخير خطاباً شعبوياً تعدى حدود اللياقة في التعامل مع رئيس دولة، أو حتى في التصرف كقيادي، وخليفة محتمل، كما يراه مريدوه. لكن حديثه بتلك الطريقة على منبر مصري، ومن دون تدخل من المقدم (وائل الأبراشي) الذي كان مستمعاً جيداً على عكس عادته، أثار الكثير من علامات الاستفهام. هذا بالإضافة إلى تنكر القناة ذاتها في اليوم التالي لاتفاق أبرمته مع السفارة الفلسطينية، برفضها استقبال المتحدث باسم فتح، أحمد عساف، ثم تبرير مذيع البرنامج لهذا القرار بالقول: «أريد المعلم، لا صبي المعلم». كل ذلك يحمل دلالات مهمة، ويضفي صدقية على ما رشح من معلومات عن وجود خلاف بين عباس ووزير الدفاع المصري، عبد الفتاح السيسي، مرتبطاً بسعي الأخير إلى إجراء مصالحة داخلية في «فتح»، قبل التفرغ لرهان «حماس» في غزّة. صحيحٌ أن وزارة الخارجية المصرية اعتبرت ما حصل على قناة دريم «لا يمثلها»، وطالبت السلطة بتفهم «الظروف الخاصة بالممارسات الإعلامية الحرة في مصر»، إلا أن الشواهد تقول إن كل موقف سياسي في مصر يجري التمهيد له إعلامياً، كذلك فإن حرية الممارسة الصحافية قد يضيق صدرها أحياناً بصحافيين كثر، بمن فيهم غير المحسوبين على التيار الإسلامي.
دحلان، وإن حاول أن يبدو متوازناً، ويعرض قوة ذاكرته، واستحضاره التواريخ بدقة، إلا أنه وقع في تناقضات كثيرة؛ فهو نفى عن نفسه ما قاله عباس على لسانه بأنه أخبر اللبنانيين: «السيسي في جيبتي»، لكن ظهوره على قناة مصرية، وإسهامه في خلق مناخ عام متحامل على السلطة في مصر، كمنع المتحدث الرسمي باسم «فتح» من الظهور في القناة المصرية، والاعتداء عليه في الشارع لاحقاً، كل تلك المعطيات تشي بعكس ما نفاه، فضلاً عن أن تلك النبرة الاستعلائية كانت حاضرة أيضاً في حديثه حين قال: «أنا من أتيت بعباس، وأنا من حميته». إضافة إلى ذلك، أعاد دحلان خلال حديثه التأكيد أنه لن يكيل الاتهام لعباس عبر الشاشة، لكن سرعان ما أخذت الاتهامات تنفلت منه يمنة ويسرة، اتهم حليفَه السابق ضد حكم أبو عمار بالوصول إلى السلطة على ظهر الدبابات الإسرائيلية. مصادر قريبة من أجواء أبو مازن ردّت على اتهامات دحلان بالقول: «دحلان الذي غادر غزّة شخصاً عادياً، ثم عاد إليها قائداً لجهاز الأمن الوقائي، وهو لا يزال شاباً في الثالثة والثلاثين من عمره، لا يملك أي خبرة عسكرية وأمنية تؤهله لهذا المنصب، سوى أنه كان موثوقاً من إسرائيل لإدارة الجهاز الذي سيشكل لاحقاً العصا الغليظة تجاه المقاومة الفلسطينية».
المصادر بادرت إلى هجوم مضاد وتساءلت: «لا أحد يعلم حتى الآن ما هي مصادر الثروة المالية لدحلان، وما هو حجمها بالأساس، فعندما استقبلت غزّة «عقيدها» الجديد عقب توقيع اتفاق أوسلو، لم يكن في جعبته ما يوحي بالثراء، بحسب شهادات جيرانه والمقربين منه، لكنه ما لبث أربع سنوات في منصبه، حتى أسس جمعية «التواصل الإنساني الفلسطيني» الخيرية، ووضع عقيلته، جليلة، على رأسها، واشترى فندق «فور سيزونز» المطل على الشاطئ، في ذلك الوقت، كذلك أُشيع عنه ما عُرف باسم «فضيحة معبر كارني»، حيث كُشف عن أن 40% من ضرائب المعبر كانت تحول إلى حساب خاص لدحلان نفسه».
وأضافت المصادر أن «الصعود الصاروخي لأسهمه المالية والإدارية ظل لغزاً يحيّر كثيرين، غير أن الأكيد هو أنه وظف ثروته في ترسيخ ولاءات قوية له في غزّة، وداخل مراكز قيادية في السلطة، ظلت وفية له حتى بعد خروجه من غزّة، وتالياً طرده من «فتح». لا يزال دحلان حتى اللحظة يتمتع بنفوذ قوي في غزّة، وفي المخيمات، التي يوجه معظم «مشاريعه الخيرية» نحوها، سواء في القطاع أو الضفة أو لبنان، وأخيراً سوريا».
المصادر أوضحت أنه «لطالما أثار سعي دحلان إلى تشكيل مراكز نفوذ له بين الفلسطينيين قلق أبو مازن، فسعى الأخير إلى قطع الطريق عليه مراراً، تارةً عبر قطع رواتب مؤيديه في غزّة، وأخيراً عبر تجميد أموال «اللجنة الوطنية الإسلامية للتكافل الاجتماعي»، الممولة إماراتياً، والتي تضم في عضويتها عناصر مؤيدة لدحلان في غزّة. وبالتوازي مع ذلك، أقام فعاليات خيرية مشابهة لتلك التي كانت على أجندة اللجنة، وهو ما أثار غضب الإمارات». في ضوء ذلك، بات جلياً أن الخلاف الذي بدا للوهلة الأولى صراعاً شخصياً بين مراكز القوى داخل «فتح»، سرعان ما تحول إلى خلاف قضائي وسياسي، ثم إلى خلاف إقليمي. وجد عباس نفسه أمام خصم نافذ في العديد من العواصم العربية، تربطه صداقات مع شخصيات وازنة، مثل رئيس شرطة دبي، ضاحي خلفان، ورئيس الاستخبارات السعودية، بندر بن سلطان، ورجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، وحتى مع المشير عبد الفتاح السيسي، الذي قابله شخصياً في أكثر من مناسبة.
دفع هذا النزاع الفتحاوي الداخلي بخلافات مستترة للظهور إلى العلن؛ فلطالما كانت العلاقة بين السلطة الفلسطينية وكل من السعودية والإمارات ملتبسة وقلقة، وخصوصاً خلال السنوات التي شهدت حراكاً على المستوى الأممي. كان واضحاً هنا غياب الدور السعودي والإماراتي الداعم بقوة، فضلاً عن تضاؤل الدعم المالي الخليجي، حتى قبل الحصول على المقعد الأممي.
ربّما كان يجدر هنا الرجوع إلى وثيقة نُشرت في تلك الفترة، حملت اسم «الذراع الفلسطيني الضارب»، وتتضمن مخططاً لتعاون استخباري بين المخابرات الفلسطينية، ومنظمة تعمل تحت غطاء المؤسسات الحقوقية باسم «الشبكة الدولية للحقوق والتنمية»، وتتخذ من سويسرا مقراً. تقول الوثيقة إن المخطط كان قائماً على أن تقوم الشبكة برصد انتهاكات حقوق الإنسان في الدول العربية، وخصوصاً دول الخليج، أكثرها هشاشة على هذا الصعيد، ثم تستخدمها ورقةَ ابتزاز ضدها للحصول على المال، لم تعلق السلطة على الوثيقة في حينها، لكن اللافت أن الدعم الخليجي تقلص في تلك الفترة بنحو ملحوظ، وأن نشر الوثيقة جاء بعد طرد دحلان من حركة فتح، وعبر وسائل إعلامية تابعة له.
المصادر لفتت إلى أن «السلطة تبدو اليوم وحيدة في «معركتها الدبلوماسية»؛ فدول «الربيع العربي» في المغرب والمشرق مشغولة برهاناتها الداخلية، والسعودية تبدو غير متحمسة «لصمود» الرئيس الفلسطيني، على الأقل لم يصدر موقف واحد عنها في هذا الصدد، في ظل ما تسرب عن مرونة سعودية إزاء الاعتراف بيهودية الدولة، مقابل ضمانات أميركية بالتعاون في حماية البيت الداخلي للمملكة من ارتدادات «الإرهاب» في المنطقة. أما الإمارات ومصر، فتعولان على دحلان ليكون فاتح غزّة الجديد». وأضافت: «محور الاعتدال الذي تنتمي إليه السلطة بات يتنكر لها، من يمكن أن يدعم السلطة الآن إذا لم تقدم تنازلات في المفاوضات، وتوجهت إلى المنظمات الدولية؟ صحيح أن بيان الجامعة العربية الأخير أكد دعم المطالب الفلسطينية، لكن سبق أن أصدرت الجامعة قراراً بإعطاء شبكة «أمان مالي» للسلطة دعماً لسعيها الأممي، ثم سرعان ما تنكرت له».
نحا أبو مازن، بحسب المصادر، منذ توليه منصب الرئاسة منحىً تصحيحياً، وأعاد هيكلة السياسة الأمنية والاقتصادية بما يلبي مطالب الغرب. كان وجود دحلان آنذاك مطلباً أميركياً، فعينه عباس مستشاراً للأمن القومي، ولعلّه أدرك لاحقاً أن دحلان، الذي يقيم علاقات صداقة جيدة مع الإسرائيليين والأميركان، وقد سبق أن أخبره الرئيس الأميركي بيل كلينتون بأنه يرى فيه «الزعيم القادم»، سيشكل الخطر الأكبر عليه مستقبلاً، ولربما وصل في مرحلة من المراحل إلى قناعة بأن أميركا قد ترمي هذه الورقة في وجهه في أية لحظة، مثلما كان ورقتها سابقاً ضد عرفات.
ما زال السؤال عن دلالة حديث عن دحلان في هذا التوقيت الحساس مبهماً، يستحضر البعض هنا سيناريوات «كامب ديفيد 2»، التي توصل الأميركيون والإسرائيليون عندها إلى قناعة بالبحث عن بديل لعرفات. ثمة قادةٌ في «فتح» يصرحون بذلك علناً، حيث يقول موفق مطر لـ«الأخبار»: «الرئيس أبو مازن، ومعه جميع قيادات «فتح» والمنظمة والخبراء السياسيون قد أدركوا أنه بعد حصول فلسطين على صفة دولة مراقب في الأمم المتحدة، بدأت المؤامرات على أبو مازن تحديداً، من خلال اختلاق مناخ مناسب لاغتياله سياسياً، تمهيداً لاغتياله جسدياً، تماماً كالمناخ الذي كان سائداً قبل اغتيال الشهيد ياسر عرفات».
إذاً، لعل الرئيس أبو مازن في حديثه الأخير أراد أن يغمز من قناة الضغوط الممارسة عليه لإعادة دحلان، تمهيداً لقيادته دفة المرحلة القادمة. أمر آخر قد يحيل إلى النتيجة ذاتها، هو الحديث الذي يجري تداوله أخيراً عن انتخاب نائب لأبو مازن، بالإضافة إلى ما تسرب من محاضر اجتماعات البيت الأبيض عن إصرار عباس على أن يكون استمرار المفاوضات مرهوناً بإطلاق سجناء من بينهم مروان البرغوثي، الشخص الذي يحظى بإجماع داخل الحركة لشغل منصب نائب الرئيس. المصادر القريبة من أبو مازن بررت ما يحصل بالقول: «لا شك أن السياسة الإسرائيلية، القائمة على استنزاف الوقت، تتطلب إحداث هذه التصدعات داخل النظام السياسي الفلسطيني بين فترة وأخرى: تختار إسرائيل شريكها الذي ستفاوضه ردحاً من الزمن، ثم تبحث له عن بديل، وريثما يأتي البديل ويقوم «بإصلاحاته»، وتغييراته الداخلية، التي تهيئ الأجواء لتقبله غربياً، تمضي إسرائيل في مشاريعها على الأرض. من الواضح الآن أن هناك مزاجاً عربياً عاماً يجنح نحو التغيير، إرهاصاته تذكر بما حصل سابقاً نهاية عهد عرفات؛ فقد كان عباس يحظى بدعم مصري وخليجي في وجه عرفات، وهو ما يحظى به دحلان أيضاً الآن». حتى التصريحات تتشابه مع سياقاتها في الماضي: اليوم يعلن دحلان أن «فجر الحركة آتٍ، والفساد فيها لن يدوم»، تماماً كما كان يقول أبو مازن عندما قاد الحركة التصحيحية في وجه أبو عمار. أما الطرف الإسرائيلي، فلم يعد مقتنعاً بأبو مازن. آخر ما ورد في هذا الشأن كان قبل أيام قليلة على لسان وزير الدفاع، موشيه يعلون: «أبو مازن لم يعد شريكاً للسلام».




«الفرصة التاريخية»

أدى دحلان دوراً مركزياً في المفاوضات بين السلطة وإسرائيل، بفضل إتقانه اللغة العبرية، وتتطابق مصادر كثيرة في أنه كان من مؤيدي فكرة توقيع كامب ديفيد، ومن أكثر المتحمسين «لاستغلال الفرصة التاريخية»، بالإضافة إلى خالد إسلام، وحسن عصفور. بعد كامب ديفيد، رفض دحلان في البداية التجاوب مع المطالب الغربية بإحلال قيادة جديدة في السلطة، ثم سرعان ما تراجع عن قراره تحت شعار الإصلاح، ومحاربة الفساد، فدعمَ السعي الغربي لتنصيب أبو مازن رئيساً للوزراء، الذي تبعه توليه حقيبة الداخلية في الحكومة التي لم تدم طويلاً.
عام 2004، عندما صبّت الانتخابات الداخلية لحركة فتح في غزّة لمصلحته، حدثت حركة تمرد واسعة في القطاع ضد حكم ياسر عرفات في المقاطعة، شملتها اضطرابات وتعديات على مقار حكومية. ورغم نفي دحلان مسؤوليته عما جرى، إلا أنه هدد بتمرد واسع إذا لم تقم السلطة «بإصلاحات» خلال عشرة أيام. باءت حركة التمرد تلك بالفشل، في وقت كانت فيه الانتفاضة الفلسطينية في أوجها.
كان أبو مازن نخبوياً ولا يملك قاعدة شعبية في الشارع، عكس دحلان الذي استطاع أن يشكل فرقاً خاصة به في غزّة، عرفت باسم «فرق الموت»، وكان يُراد له بتوافق مصري إسرائيلي أن يتولى زمام الأمور في غزّة بعد خطة الانسحاب الأحادي الجانب. ربما كانت تجدر الإشارة هنا إلى تصريح وزير القضاء في حينها، يوسي لبيد، حينما قال: «نحن نتطلع إلى أن يتولى شخص مثل دحلان قيادة السلطة في قطاع غزّة، ويكون قادراً على ضرب «حماس» و«الجهاد»، ولكن يجب علينا ألا نقوم بمعانقته عناق الدببة، حتى لا تظهر حركته كما لو أنها فيلم إسرائيلي».