تواجه البحرين، منذ عام 2014، ارتفاعاً مستمرّاً في الدين العام، الذي تفيد البيانات الرسمية بتسجيله في عام 2019 رقماً قياسياً تجاوز الـ13 مليار دينار (100% من إجمالي الناتج المحلي)، فضلاً عن وجود 1.54 مليار دينار هي عبارة عن ديون غير مدرجة في رصيد الدين العام، بعد قيام جهات حكومية بالاقتراض المباشر من الصناديق الخارجية، وهو ما يجعل المجموع يصل إلى 14.54 مليار دينار، فيما تأكل فوائد القروض ما يقرب من 22% من الإيرادات الحكومية. هذه المديونية العامة تُعدّ، مقارنة بحجم الاقتصاد البحريني وموارده المحدودة، مرتفعة للغاية.

فالبحرين هي الأفقر في الموارد النفطية بين دول مجلس التعاون الخليجي (تنتج نحو 200 ألف برميل من النفط الخام يومياً)، فيما مواردها غير النفطية ضئيلة جداً، ولا تتجاوز 15% فقط من مجمل الإيرادات العامة.
عمدت الحكومة، خلال السنوات الأربع الماضية، بهدف خفض الدين العام وتحسين الوضع المالي للدولة، إلى إطلاق حزمة مبادرات لخفض المصروفات، وإعادة توجيه الدعم، وتعزيز كفاءة الإنفاق. كما وضعت خطة هيكلية مدعومة خليجياً تهدف إلى تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات. وعلى رغم حصولها على 1.7 مليار دولار من أموال الدعم الخليجي، إلا أنها لجأت (25 أيلول/ سبتمبر 2019) إلى اقتراض 765 مليون دينار بحريني، لتبلغ فوائد الدين العام في موازنة عام 2019 نحو 640 مليون دينار، في ما يُعدّ أكبر بند في الميزانية.
ويعني استمرار الوضع على ما هو عليه، في ظلّ اعتماد الدولة المفرط على النفط، أن المشكلة المالية ستتفاقم، وستخلّف تداعيات أكثر خطورة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما يمكن أن يتجلّى في النتائج التالية:
أولاً: ستواجه الدولة صعوبة في سداد الدين، وستدفع تكلفة عالية لخدمته، ما يحتّم الدخول في حلقة مفرغة على حساب خطط التنمية ورفع معدّلات النمو، وبالتالي سيكون من الصعب تحقيق حياة مستقرة في ظلّ اقتصاد مزدهر يؤمن فرص عمل ودخولاً مالية كافية.
ثانياً: ارتفاع الدين العام يعني المزيد من التقشف، واستمرار الركود الاقتصادي، وارتفاع البطالة، وزيادة عدد الفقراء.
ثالثاً: المزيد من التبعية للمقرضين وللدول الأخرى وللمؤسسات المالية المانحة.
رابعاً: سيفقد المستثمرون الثقة في قدرة الدولة المالية، ما يعني المزيد من الانخفاض في التصنيف الائتماني، وبالتالي تجنب شراء السندات الحكومية في المستقبل.
على أن التحدّي الأكبر الذي يواجه البحرين ليس ارتفاع الدين العام فحسب، بل هو مدى قدرة الدولة على تمويله، وبالتالي انعكاسه على ثقة المؤسسات المالية في إقراضها. ماذا يعني وجود 640 مليون دينار كفوائد للدين العام؟ إن هذا المبلغ يعني الكثير لاقتصاد البحرين، حيث يمكن للدولة بهذه الفوائد أن تنفذ مشاريع تنموية، وتعالج عدداً من القضايا الأساسية كالإسكان والتعليم والصحة والتوظيف. فعلى سبيل المثال، تستطيع الدولة بقيمة فوائد الدين العام بناء أكثر من 100 ألف وحدة سكنية في العام الواحد، وسبعة مستشفيات، و125 مدرسة ثانوية أو إعدادية، وأكثر من 9 مصانع لإنتاج الأنسولين يمكن لكلّ منها توفير 250 فرصة عمل، وستة جسور، فضلاً عن بناء مطار جديد متكامل، وبمرافق عالمية المستوى، تضاهي تلك الموجودة في أحدث المطارات في العالم.
* اقتصادي بحريني