لكن السرعة التي أنجزت بها الدوريات التركية مهماتها، التي لم تستمرّ إلا لساعتين، عكست إلى حدّ كبير عدم رضى أنقرة عمّا يتم إنجازه من قِبَل واشنطن والقوى الكردية لتطبيق بنود الاتفاق، بل إن الرفض التركي الرسمي لتلك الجهود سرعان ما جاء على لسان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي شدد، خلال افتتاحه عدداً من المشاريع التنموية في ولاية ملاطي، على أنه «لا يمكن إنجاز المنطقة الآمنة عبر تحليق 3 ــــ 5 مروحيات، أو تسيير 5 ــــ 10 دوريات، أو نشر بضع مئات من الجنود في المنطقة بشكل صوري». ولفت إلى أن «تركيا تجري مباحثات مع الولايات المتحدة حول المنطقة الآمنة»، مستدركاً بأنه «في كل خطوة تخطوها، نشاهد أن ما نريده ليس الشيء نفسه الذي يدور في عقولهم». وكرّر إردوغان تهديده بأنه «إذا لم نبدأ بتشكيل منطقة آمنة مع جنودنا في شرقي الفرات قبل نهاية أيلول/ سبتمبر الجاري، فلن يكون لدينا خيار سوى تنفيذ خططنا الخاصة».
رأت وزارة الخارجية السورية في تسيير الدوريات انتهاكاً سافراً للقانون الدولي
ويعكس الموقف التركي خلافاً واسعاً حول طريقة تطبيق الاتفاق الذي أُبرم مع واشنطن، ما يعني أن غياب التفاصيل الدقيقة فيه قد يُفسَّر بعدم وجود بنود واضحة تم التوصل إليها بين البلدين أصلاً، فيما تذهب تفسيرات أخرى إلى أن ظهور الخلافات بهذا الشكل هو نتيجة محاولة واشنطن إقناع تركيا وحلفائها الأكراد، كلّ على حدة، بأن الاتفاق لمصلحتهم، ما يرجح إعلان فشله. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر مطلعة، لـ«الأخبار»، أن «أنقرة ترى في خطوات واشنطن الأخيرة، في تشكيل مجالس عسكرية للمناطق، إعادة إنتاج للوحدات الكردية في لباس ورايات جديدة». وتُنبّه المصادر إلى أن «استمرار انتشار أعداد كبيرة من العسكريين الأتراك على الحدود السورية يعكس جدية التهديدات التركية بشنّ عملية عسكرية منفردة في الشمال السوري»، كاشفة أن «تركيا أبلغت الفصائل السورية المسلحة التابعة لها البقاء في حالة تأهب لشنّ عملية عسكرية، حالما يتم الإعلان عن فشل الاتفاق مع واشنطن».
ولعلّ التهديدات التركية التي تطلقها أنقرة، تزامناً مع تطبيق الاتفاق على الأرض، تلقى صدى لدى قادة القوى الكردية، وهو ما ذكره صراحة القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، في تصريحات إلى شبكة «سي أن أن» الأميركية، حيث رأى أن «بيانات تركيا الاستفزازية كل يوم تصعّب الوصول إلى حلّ». وربّما أراد عبدي استغلال الحديث إلى وسيلة إعلام أميركية للإشارة إلى قوة الأوراق التي تملكها قواته على الأرض، والخاصة بملفَّي المعتقلين الأجانب من «داعش» وعوائلهم الموجودة في مخيم الهول. إشارة عبدي هذه جاءت عبر تحذيره من أن «مخيم الهول يعتبر قنبلة موقوتة، وأن قواتهم لا تزال تعتقل مسلحي داعش الأجانب في ظروف صعبة». وأبدى عبدي ثقة قواته بحليفتها، الولايات المتحدة، «لوضع حدّ للصراع مع تركيا».
إلى ذلك، لم يتأخر تعليق وزارة الخارجية السورية على الخطوة الأميركية ــــ التركية، إذ صدر بعد وقت قصير من الإعلان عن بدء تسيير الدوريات المشتركة على الحدود. ودان مصدر رسمي في الوزارة «قيام الإدارة الأميركية والنظام التركي بتسيير دوريات مشتركة في منطقة الجزيرة السورية، في انتهاك سافر للقانون الدولي ولسيادة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية»، مضيفاً إن «هذه الخطوة تمثل عدواناً موصوفاً بكل معنى الكلمة، وتهدف إلى تعقيد أمد الأزمة في سوريا وإطالتها بعد الإنجازات الميدانية التي حققها الجيش العربي السوري في مطاردة فلول المجموعات الإرهابية». وختم المصدر بالقول إن «الجمهورية العربية السورية إذ تجدد رفضها المطلق لما يسمى المنطقة الآمنة، فإنها تؤكد التصميم والعزم على إسقاط كل المشاريع التي تستهدف وحدة وسلامة أراضيها».