وضع استهداف مركز تديره حكومة الوفاق لاحتجاز المهاجرين، المشير خليفة حفتر، في موقف حرج، في ظلّ ردود فعل دولية غاضبة، ودعوات إلى برمجة جلسة عاجلة في مجلس الأمن الدولي. فمجزرة من هذا القبيل، في بلد يمثل نقطة انطلاق رئيسة للمهاجرين، تتّخذ أبعاداً أخرى لدى دول الغرب، ولا سيما في أوروبا، التي لا تشهد بأي دور لحكومة طرابلس سوى المساهمة في الحدّ من انتقال المهاجرين إليها.الضربة الجوية في ضاحية تاجوراء، ذات الكثافة السكانية العالية، شرقي العاصمة، في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء ــــ الأربعاء، تزامنت مع إصدار قوات المشير خليفة حفتر بياناً قالت فيه إنها استهدفت مستودع سلاح يتبع «ميليشيا الضمان»، مؤكدة أن الضربة أصابت الهدف بدقة. ينطوي البيان على جزء من الحقيقة، إذ أصابت الضربة مقراً لتلك الميليشيا التابعة لوزارة الداخلية، والمعروفة رسمياً باسم «جهاز مكافحة الهجرة غير الرسمية ــــ فرع تاجوراء»، لكن الهدف لم يكن مخزن سلاح، بل أحد المباني المخصصة لاحتجاز المهاجرين، الذين أُنقِذوا من البحر، وبعضهم يحمل جنسيات سودانية وجزائرية ومغربية وموريتانية، وفق ما قالت وزارة الصحة التابعة لحكومة الوفاق.
على امتداد موجات الحرب في ليبيا، لم يسبق أن أوقعت ضربة جوية هذا العدد الكبير من الأرواح، فكيف إذا كان الضحايا أجانب عُزَّل، وينطوي ملفهم (أي ملف المهاجرين) على حساسية خاصة، سرعان ما تظهّر في ردود الفعل على المجزرة. إذ قالت «منظمة العفو الدولية» إنّ الأنباء الواردة «صادمة جداً»، مطالبةً بفتح تحقيق دولي عاجل لمحاسبة المسؤولين، فيما أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً أدان فيه الهجوم الذي اعتبره «دلالة إضافية على الكلفة البشرية الباهظة للصراع في ليبيا، وهشاشة وضع المهاجرين العالقين في هذا البلد». ورأى سفير بريطانيا في ليبيا، مارتن راينولدز، من جهته، في تغريدة على حسابه في موقع «تويتر»، أنّ «التصعيد سيزيد من تدمير ليبيا»، داعياً إلى «الإغلاق الفوري لمراكز التوقيف القريبة من الجبهة»، و«وقف الاقتتال، والعودة إلى الحوار».
على امتداد الحرب لم يسبق أن أوقعت ضربة هذا العدد الكبير من الأرواح


أما وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو سالفيني، فذهب إلى توجيه اتهام مباشر إلى حفتر، باعتباره المسؤول عن القصف، الذي وصفه بأنه «عمل إجرامي، تماماً مثل الهجمات على الأهداف المدنية والمطارات والمستشفيات». ودعا سالفيني، الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء، المجتمع الدولي إلى دعم حكومة الوفاق، بوصفها الجهة المعترف بها رسمياً من الأمم المتحدة. وفي إشارة إلى حلفاء حفتر الذين يدعمونه بالسلاح والدبلوماسية، وخاصة فرنسا التي تزاحم إيطاليا في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي، قال سالفيني إنه يحدوه الأمل في «ألّا يبقى أحد من أولئك الذين يدعمون شخصاً يقصف أهدفاً مدنية من أجل مصالحهم الاقتصادية والتجارية».
التحرك الدولي الأبرز تمثل في برمجة جلسة عاجلة في مجلس الأمن للتداول حول القصف، بمبادرة على ما يبدو من بريطانيا التي كانت وراء الدعوة إلى عقد عدد من الجلسات حول ليبيا منذ انطلاق الهجوم على طرابلس في الرابع من نيسان/ أبريل. ويظهر موقف بريطانيا السياسي واضحاً، إذ قالت ممثلتها الدائمة في الأمم المتحدة، كارين بيرس، في تغريدة أمس، إن «السلام المستدام الذي يستحقه الليبيّون سيتحقق فقط عبر العودة إلى الحوارات التي ترعاها الأمم المتحدة». من جهتها، طوّرت فرنسا من موقفها، ففيما كانت تلتزم (علناً) الحياد من طرفي الصراع سابقاً، ما يصبّ فعلياً في مصلحة قوات شرق البلاد، وصفت سفارتها في ليبيا تحرك قوات حفتر أمس بـ«الهجوم على طرابلس»، ودعت إلى وقف القتال و«العودة السريعة إلى العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة». وبلهجة منخفضة السقف، أدانت الخارجية الأميركية الهجوم في وقت متأخر، معتبرة أنه «يبيّن الحاجة لأن يعمل الفرقاء الليبيون على تخفيض حدة المعارك والعودة إلى المفاوضات»، علماً أن السياسة الأميركية حيال ليبيا لا تزال متذبذبة، بين آراء وزير الخارجية، مايك بومبيو، الذي أدان الهجوم على طرابلس في بدايته، والرئيس دونالد ترامب ومستشاره للأمن القومي، جون بولتون، اللذين تواصلا مع حفتر هاتفياً بعد إطلاق الهجوم بأيام، وعبَّرا عن دعمهما لجهوده في «محاربة الإرهاب»، كما تشاركا معه في «الرؤية حول مستقبل ليبيا»، وفق ما ورد في بيان للبيت الأبيض حينها. كذلك، تجلّى الموقف الأميركي السلبي في تعطيل جهود مجلس الأمن الدولي لإيقاف الحرب، إذ سبق أن رفض ممثلها في المجلس مشروع قرار بريطانياً يدين الهجوم على طرابلس، ويدعو قوات حفتر إلى الرجوع إلى مواقعها السابقة.
محلياً، يأتي هذا التصعيد مع دخول الحرب مرحلة جديدة على إثر التقدم الميداني الذي حققته قوات «الوفاق»، بسيطرتها على مدينة غريان وما حولها الأربعاء الماضي، على حساب قوات حفتر. وهو تراجع تلته تهديدات من قوات المشير، والبرلمان والحكومة الداعمين له، باستهداف أي طائرة أو سفينة تركية تقترب من الحدود الليبية، واعتبار المشاريع الحكومية التركية هدفاً عسكرياً مشروعاً لها، وذلك نظراً للدعم الذي توفره أنقرة لحكومة الوفاق.