ضربة جوية واحدة، بطائرة مسيّرة أغارت على قاعدة العند في محافظة لحج، كانت كفيلة بضعضعة صفوف «جيش الشرعية»، وكشفه مجدداً على حقيقته: تشكيلات متباينة تمثل مجموع المنافع الجهوية والحزبية والمناطقية، وتخدم المنظومة التي تحكمت بالبلد لعقود طويلة، وفرّت وجوهها عام 2015 إلى المنفى، حيث شكّلت حكومة مقرّها فنادق العاصمة السعودية، بينما يعيش معارضوها (المجلس الانتقالي) في أبو ظبي. لا يمتلك هذا الجيش، المُسمّى «الجيش الوطني»، عقيدة عسكرية، وقد استُقطِب أفراده وضباطه على أساس الولاء لـ«التحالف» والانخراط في حربه، وهو يمارس مهمّاته ويقيم فعالياته تحت علَمَي السعودية والإمارات وصور زعمائهما، وهذا ما تجلّى أول من أمس خلال عرض قاعدة العند، حيث كانت صورة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تظلّل منصة القادة العسكريين. يضاف إلى ذلك أن ضربة العند كشفت خللاً بنيوياً في المنظومة العسكرية والاستخبارية التابعة للرياض، وذلك من خلال الاختراق العميق والرفيع المستوى الذي حصل لهذه «الشرعية» على المستوى الأمني. كذلك أثبتت الفشل الذريع في حماية القاعدة بمنظومة دفاع جوي ملائمة لمثل تهديدات كهذه على المستوى العسكري، علماً أن القواعد العسكرية التابعة لـ«التحالف» السعودي ـــ الإماراتي مُزوّدة بمنظومة «باتريوت»، وتخضع لإجراءات أمنية وعسكرية مشددة، ويُحظر دخولها حتى على القادة العسكريين في «الشرعية» إلا بشكل محدود، وبعد الخضوع لتفتيش دقيق ومهين.
على المستوى السياسي، كان لإصابة عدد من القيادات العليا في «الشرعية»، وهم بأجمعهم من المحافظات الجنوبية، وقع الصدمة على الأوساط الموالية لـ«التحالف». وبدلاً من أن يكون الهجوم مناسبة لتوحّد تلك القوى المحلية، كان كفيلاً بتأجيج الصراع المشتعل في الأصل بين طرفَي «الشرعية» و«الانتقالي»، حيث كال كل منهما للآخر الاتهامات بالتسبب بالاختراق. الأوساط المدعومة من الإمارات رأت أن سبب الضربة «تساهل الشرعية مع الحوثي خصوصاً، والشمال عموماً». وكالعادة، وُجّهت السهام إلى «حزب الإصلاح» (إخوان مسلمون)، الذي اتُّهم بتبريد جبهاته في الشمال مع «أنصار الله» ضمن تفاهمات في ما بينهما. كذلك، استغلت وسائل الإعلام الإماراتية العملية للتحريض على تفاهمات السويد، وحضّ «الشرعية» على الانسحاب منها، باعتبارها «لا تخدم الجنوب والتحالف»، وبذريعة أنها وفّرت الاعتراف الدولي لـ«أنصار الله»، واستبطنت تقديم تنازلات في غير مكانها. في المقابل، اعتبرت أوساط «الشرعية» أن الإمارات هي المسؤولة عن أمن الجنوب وحدوده، وهي متهمة على الأقل بالتقصير في تزويد قاعدة العند الجوية بالمضادات، وبالتالي فهي تتحمل المسؤولية عما جرى، بل إن البعض ذهب إلى حد اتهامها بالتواطؤ.
انكشاف هشاشة «جيش الشرعية»، وارتباك القوى السياسية الداعمة له، قابلتهما جرأة في المواقف السياسية في صنعاء، بعدما أثبتت الأخيرة أن جيشها لا يزال يمتلك القدرة على المبادرة العسكرية، وكذلك مباغتة العدوان على الأراضي اليمنية كافة، وأنه ـــ رغم سنوات الحرب والحصار ـــ لا يزال يعمل على تطوير قدراته، وتقوية أذرعه، ولا سيما في مجال الطائرات المسيّرة والقوة الصاروخية. وقد جاءت عملية العند لتوجّه رسالة قوية إلى «التحالف» والقوى الموالية له، بأن الجيش اليمني ماضٍ في التطوير الفني، وصولاً إلى إصابة الأهداف بدقّة عالية، كما حصل في منصة العند، وأن هذا التطوير ليس يتيماً، بل هو تصاعدي على المستويات الفنية كافة، خصوصاً في ما يتصل بالدقة والقدرة التدميرية، بالإضافة إلى الاستمرارية.