طابور طويل متعرج يقف ضمنه نساء وأطفال ومراهقون، كلٌّ قرب عبوة الغاز المنزلية الفارغة خاصته. يتناقل المتذمرون المبررات الرسمية بكثير من الاستهزاء. يقول رجل خمسيني منتظراً دوره أمام مركز معتمد لتوزيع الغاز: «من عقلهن رح نصدق انو ترامب حاطط عقلو بعقل جرة غاز مطبخنا». ينفخ يديه محاولاً تدفئتهما، وينظر إلى جاره البائس الذي يغطي رأسه بقبعة صوفية؛ ويرد ساخطاً أيضاً: «اختار ترامب توقيت هذه العواصف ليضع يديه على خصره ويعترض ناقلات الغاز طيلة أسبوعين. والأهم أن الحكومة دائماً تلعب دور المتلقي». يعود الرجل الخمسيني للتعليق ساخراً: «حكومات أزمة لك عمي. شو بيفهمك إنت!». أزمة ثقة يمكن قراءتها في أبسط تفاصيل الحياة اليومية بين المواطن المنكوب في لقمة عيشه وبين المسؤول الذي يطلق مبررات تقصيره المتواصلة. وأمام شماعة الأسطول الأميركي وحرب الثماني سنوات وضرب المسلحين لمحطات الغاز والكهرباء وسائر المراكز الحيوية، ما عاد السوريون مقتنعين بالنوايا الحميدة للحلول المتأخرة.
تبلغ الحاجة اليومية من الغاز المنزلي 1200 طن
تقاطعات نادرة بين الرسميين السوريين ومعتمدي توزيع عبوات الغاز المنزلي، إذ يرى عدد من المعنيين أن سبب الأزمة مجرد زيادة في الطلب بحكم الحاجة المتزايدة في فصل الشتاء. محمد، أحد معتمدي الغاز في أحد أحياء الساحل السوري، حذا حذو موظفي الوزارات، إذ انتهج الصمت وأغلق هواتفه في وجه الطلب المتزايد على الغاز. تقول قريبته هناء: «لا يرى موزعون عدة لمادة الغاز أزمة فعلية في البلاد. قال لي أحد الأشخاص أعطني 4500 ليرة وسأؤمن لك 10 عبوات بهذا السعر. هل الأزمة بسبب نقص المادة أم مجرد افتعال بسبب الاحتكار؟». وتضيف: «قريبي محمد المعتمد الموزع للغاز لا يجيب على هواتفه. أضحى التواصل معه أصعب من التواصل مع رئيس حكومة. زوجته تقول بفخر أنه مشغول ليلاً ونهاراً، وأنه يتوقف عن الرد على أي كان بعد نفاذ الكمية التي تصله». وبينما تبلغ الحاجة اليومية من الغاز المنزلي 1200 طن، فإن الإنتاج المحلي يبلغ 30% فقط، وفق إحصائيات وزارة النفط السورية، فيما يعوّض الفارق عبر الاستيراد. ومع تناقص الطلب على المادة بين شهري آذار وتشرين الثاني، يبقى الباب مفتوحاً على حجم الاحتياطي السوري من مادة الغاز، والذي يفترض به تغطية حاجة السوق خلال أشهر الشتاء، على الأقل.