الزعماء الثلاثة التزموا في خطاباتهم، دعم المصالح الأكثر أولوية ضمن مقاربتهم لمستقبل إدلب وسوريا. فبينما أصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة المضي قدماً في الحرب على التنظيمات الإرهابية في منطقة إدلب والتركيز بعدها على المسار السياسي، حاول نظيره التركي رجب طيب أردوغان، التركيز على طرحه إعلان وقف لإطلاق النار، فيما نحا الرئيس حسن روحاني، إلى التأكيد على حق الدولة السورية في استعادة كامل أراضيها، وضرورة انسحاب القوات الأجنبية الموجودة بشكل غير شرعي، محدداً القوات الأميركية بشكل خاص. المختلف في هذه القمة كان الرفض العلنيّ لمقترح تركي حمله أردوغان، عنوانه العريض «إعلان وقف إطلاق للنار» في إدلب. هذه الهدنة المقترحة، وفق ما سربته صحيفة «صباح» التركية قبيل عقد القمة، يفترض أن تكون مقدمة لخطة تركية تتضمن خروج 12 فصيلاً مسلحاً، بينهم «هيئة تحرير الشام» إلى «منطقة عازلة» تحت إشراف الفصائل التي تدعمها أنقرة، على أن يسلّم عناصرها أسلحتهم بالكامل. وتتضمن الخطة السماح للمقاتلين الأجانب بالعودة إلى بلدانهم (إن أرادوا)، ليتم بعدها التعاون ضد الفصائل التي ترفض هذا الطرح، لتترك إدلب تحت «إدارة تركية» لحين تدريب قوات جديدة على غرار ما جرى في مناطق «درع الفرات». وعلى رغم إحباط التوجه التركي الذي كان ليحيّد ـــ إن نجح ــــ العمليات العسكرية، فقد التزم الجانبان الروسي والإيراني بإتاحة الفرصة أمام خيار «المصالحات» وإلقاء السلاح، في سياق المجهود الذي تقوده أنقرة مع «تحرير الشام» لإقناع قادتها بضرورة التفكّك والانصهار ضمن نسيج «الجيش الوطني» لاحقاً. القبول بهذا التوجه، حضر بوضوح في كلام بوتين، الذي قال: «نأمل أن تُسمع دعوتنا إلى وقف القتال في إدلب... وتتوقف مقاومة ممثلي الجماعات الإرهابية هناك، ويلقوا أسلحتهم».
أكد الجعفري أن شروط تمديد «خفض التصعيد» لم تتحقق في إدلب
وهو ما قد يفتح المجال أمام مزيد من المفاوضات التركية مع ممثلي «تحرير الشام»، خلال الفترة المقبلة، ولكنه في المقابل يترك الباب مفتوحاً أمام استهداف مواقع «التنظيمات الإرهابية»، وهو ما أكدته الغارات الجوية على مواقع في إدلب، والتي استمرت في موازاة المحادثات، وبعدها. وبرز في هذا السياق، ما نقلته وسائل إعلام تركية عدة، عن اجتماع عقدته «هيئة تحرير الشام» مع عدد من الفصائل المسلحة في وقت متأخر من ليل أمس، لاتخاذ قرار نهائي في شأن المبادرة التركية التي تتضمن تسليم السلاح والانخراط في جهود تشكيل «الجيش الوطني».
التوافق حول أولوية «المصالحات» وضرورة فصل جماعات المعارضة عن «التنظيمات الإرهابية»، هو خطوة أولى في مسار معقد، قد تختلف نظرة البلدان الضامنة حول آلية تطبيقه. لا سيما وأن الصيغة التركية لهذا الفصل لقيت رفضاً أولياً من إيران وروسيا. واللافت أن طروحات أنقرة جاءت بالتوازي مع دعوة أممية لتوفير حلول مشابهة للوضع في إدلب. ففي جلسة مجلس الأمن المخصصة لنقاش تطورات الوضع في إدلب، والتي عُقدت بطلب واشنطن وحلفائها أمس، اعتبر المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في إفادة بالفيديو، أن أي تحرك في إدلب يجب أن يراعي تجنب سقوط ضحايا في صفوف المدنيين، عبر فصلهم عن المسلحين كمرحلة أولى، ليتم بعدها «فصل المعارضين عن الإرهابيين». ولفت دي ميستورا إلى أنه يمكن استغلال النفوذ التركي الكبير على عدد كبير من الفصائل في إدلب، لتطبيق مثل هذا التصور، مشيراً إلى إمكان العمل على صيغة لإخراج كل المسلحين من المناطق المدنية، ليتم الفصل بينهم لاحقاً، على أن تخضع تلك المناطق لسلطات «مجالس مدنية أو قوات شرطة محلية». وأوضح أن مثل هذا الطرح يضمن تجنب القصف الجوي والعمليات العسكرية الواسعة، ويتقاطع مع الطرح الذي حمله الرئيس أردوغان إلى طهران. وفيما ركزت كلمات مندوبي الدول الغربية على التحذير من خطورة أي هجوم عسكري واسع في إدلب على المدنيين هناك، أكد المندوب السوري بشار الجعفري، أن التفاهمات في شأن «مناطق خفض التصعيد» أصبحت غير فعالة، لكونها بالأصل موقتة ومدتها ستة أشهر قابلة للتمديد «في حال التزمت المجموعات المسلحة بوقف العمليات القتالية وفصلت نفسها عن الإرهابيين، وهو ما لم يحصل في إدلب».