حصل لاجئون على إقامات دائمة ومؤقتة في الدول الأوروبية، وانخرط أغلبهم في سوق العمل بمهن مختلفة، بينما اختار آخرون متابعة تعلم اللغة وإكمال دراستهم، ودفع الاستقرار المادي معظمهم إلى التفكير في الزواج وتكوين أسرة. وبينما تمكّن بعضهم من الاندماج في المجتمعات الجديدة، بقي كثيرون يتمترسون خلف العادات والتقاليد بغضّ النظر عن مدى صحتها وملاءمتها للمجتمع الجديد الذي انتقلوا للعيش فيه.
يبحث خليل، الشاب القادم من محافظة الحسكة إلى بلجيكا، عن زوجة يستقر معها ويؤسس أسرة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل. قال لـ«الأخبار»: «وجدت عملاً مناسباً منذ عام. بلغت الثلاثين ولم أتزوج بعد، لو كنت في الحسكة لصرتُ أباً منذ سنوات. لا أريد أن ألهو أو أعيش علاقات عابرة، أبحث عن بنت حلال أعيش معها، منذ أشهر أحاول ولكن بلا جدوى».

بنت البلد

يرفض أغلب الشباب العرب الزواج بأجنبيات. هم يُفضّلون الارتباط بـ«بنات البلد» ممن يرضون خلقها ودينها، ويرون أن الفتاة الأجنبية لا تصلح لأن تكون زوجة و«أم عيال» لأسباب كثيرة أهمها الدين، فضلاً عن اختلاف العادات والتقاليد ورغبة بعض الشباب بالعودة يوماً إلى بلادهم حين تضع الحرب أوزارها. يقول إبراهيم، ثلاثيني قادم من حلب ويعمل في «التمديدات»: «لن أرتبط بفتاة أجنبية، لا يمكن التفاهم مع الأجنبيات، لهم دينهم ولنا ديننا، وكذلك تختلف عاداتهم عن عاداتنا، لا يمكن أن أتزوج فتاة تلبس ثياباً قصيرة، وتُقبّل رفاقها الشباب، وقد تفعل ذلك حتى مع أصدقائي، لا يمكنني تخيل ذلك حتى لو بقيت بلا زوجة».

لا يعلم عن شخصية أم محمد سوى أنها «خطّابة إلكترونية»


يعيش هنا الكثير من الشيشان والأفغان وهم مسلمون، لكنهم لا يقبلون بتزويج بناتهم للعرب المسلمين. هم أيضاً لهم خصوصيتهم، وقلة هم العرب الذين يرغبون في مثل هذا الزواج أيضاً. ضرب شاب شيشاني أخته وأدماها ونُقلت إلى المستشفى، بينما سُجن، بسبب علاقتها بلاجئ سوري ورغبتها في الزواج به. ليست هذه الحالة الوحيدة من هذا النوع التي سُجِّلَت.

تجارة المهور

رغم كثرة العائلات العربية اللاجئة والمقيمة أيضاً منذ عقود طويلة في أوروبا، إلا أن إيجاد فتاة عربية للزواج يكاد يكون مستحيلاً، وحتى من يجد أو يحب فتاة وينوي الارتباط بها، يصطدم بشروط الأهل. يطلب أهالي الفتيات من الخاطبين مهوراً كبيرة لا طاقة لهم بها، وصلت إلى عشرة آلاف يورو في بعض الحالات، ولا تقلّ عن خمسة في أفضل الأحوال، فضلاً عن الذهب ولوازم العرس. ويشترط أهالٍ آخرون بقاء راتب ابنتهم المتزوجة لهم بعد زواجها، لذا أصابت هذه الشروط كثيراً من الشباب بالإحباط.
يقول محمد، شاب قادم من الرقة ويقيم في ألمانيا، ويحمل إجازة في اللغة الإنكليزية، لـ«الأخبار»: «أبحث عن فتاة سورية يمكنني الارتباط بها، إلا أن هذا البحث لم يُجدِ نفعاً. تعرفت إلى فتاة في دروس تعلم اللغة، وتقدمت لخطبتها، إلا أني لم أستطع تلبية طلبات أهلها. يريد والدها خمسة آلاف يورو مهراً وبمثلها ذهب، ما جعلني أنسى الزواج كلياً».
إن أحبت الفتاة الأجنبية شاباً تحمل حقيبة صغيرة فيها القليل من الملابس وتنتقل للسكن معه من دون قيد أو شرط، فهي لا تطلب مهراً ولا ذهباً، لم ينتظر بعض الشباب كثيراً، فراحوا يبحثون عن نصيبهم عند الفتيات الأجنبيات هرباً من طلبات الأهالي المجحفة. علاء، متخرِّج اللغة العربية القادم من إدلب، يرى أن الزواج بفتاة أجنبية أفضل بكثير من الرضوخ لشروط الأهالي وطلباتهم، ويقول: «تعرفت إلى فتاة ألمانية، كنت أعلمها اللغة العربية في إحدى المدارس، وقد أحبتني، وبعد علاقة استمرت لأشهر قررت ارتداء الحجاب والدخول في الإسلام، وأبدت رغبتها في الالتزام، فتزوجتها. لم يكلفني الأمر أكثر من محبس بسيط».

«أنا وزوجتي»

أطلق لاجئون سوريون مجموعة في «فيسبوك» سمَّوها «أنا وزوجتي». هدف المجموعة ــ كما أعلن القائمون عليها ــ «جمع رأسين بالحلال»، ومساعدة اللاجئين في أوروبا لإيجاد نصفهم الآخر. وتشترط المجموعة أن يكون «البروفايل» حقيقياً حتى يُقبَل العضو، وأن تكون رغبته في التعارف والزواج جدية. أما من يبحثون عن «نصفهم الآخر»، فعليهم أن يكتبوا مواصفاتهم ومدى تديّنهم وأعمارهم وبلدانهم ومدنهم وطولهم ووزنهم وحالتهم الاجتماعية وأماكن إقامتهم، كذلك بإمكان كل باحث عن زوجة أو باحثة عن زوج أن يكتب/ تكتب المواصفات التي يريدها في شريكته/ شريكها. أما بقية الأمور، فيجري التفاهم عليها عبر الرسائل الخاصة، ولا يترتب على العروسين أي شيء تجاه مسؤولي الصفحة، «سوى الدعاء».
لم تلقَ المجموعة رواجاً عند إنشائها، إلا أنها تزداد فاعلية بعد أن يئس الشباب الذين يعيشون وحيدين في أوروبا، بعيداً عن أمهاتهم وأخواتهم اللواتي كنّ يقمن بمثل هذه الأمور في بلدانهم. تشرف أم محمد الحلبية على طلبات الزواج في فرنسا وبلجيكا، بينما يتابع آخرون الطلبات القادمة من بلدان أخرى. ليس هناك ما يدل على شخصية أم محمد، سوى أنها «خطابة إلكترونية».
تطلب إحدى الفتيات عريساً، وهي حسب ما تضع في الإعلان: «محامية حلوة، مقيمة في فرنسا، عمرها 23 سنة، وطويلة وسبور. طلبي شابّ جامعي يتكلم الفرنسية بطلاقة». وفي إعلان آخر، «صبية دمشقية جميلة متجنسة جنسية أجنبية متعلمة ومتدينة عمرها 43 طويلة شقراء عيونها خضر ومحجبة، وترغب في الارتباط برجل سوري متدين وجامعي يقيم في إحدى الدول الناطقة باللغة الانكليزية لا يتجاوز عمره الخمسين».